You dont have javascript enabled! Please enable it!
Switch Mode

أعزائنا القرّاء، يسرّنا إعلامكم بأن ملوك الروايات يوفر موقعًا مدفوعًا وخاليًا تمامًا من الإعلانات المزعجة، لتستمتعوا بتجربة قراءة مريحة وسلسة.

لزيارة الموقع، يُرجى النقر هنا.

هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

سعي بربري 47

الفصل 47
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬

الحمى تُجبر الإنسان على الحلم. تُقسّم وعيه إلى نصفين، فيُطلّ الوعي السطحي على اللاوعي العميق. “الغابات والسهول.” رأى يوريتش وطنه. عاش الناس على الصيد وجمع الثمار، وعندما استُنفدت موارد أراضيهم، كانوا يغزون أراضي قبائل أخرى ليبنوا وطنًا جديدًا. “نحن قادرون على فعل ذلك.” الزراعة، المدينة، الحضارة. أراد يوريتش جلب الحضارة إلى وطنه. ارتفعت حرارته، وأصبح تنفسه مضطربًا. أصبح وعيه يتشتت، ورأى لهبًا. “جبال السماء.” أصبح عالم الأرواح كذبة، لكنه بالفعل عالم الحضارة. “حاكم الشمس لو.” لم يستطع الإنسان التحديق في الشمس. لو حاول، لأصبح أعمى. “إذا متُّ هكذا، فإن روحي سوف…” استندت عقيدة حاكم الشمس لو إلى التناسخ. كان يهدي أرواح الموتى. أما الأرواح التي تطهرت في حضنه، فكانت تُرسل إلى الأرض لتولد من جديد. وفي النهاية، كان الأحياء يجتمعون مع الموتى، وتشابك تاريخ البشر في تناسخات لا تُحصى. لكنهم ببساطة لم يتمكنوا من التذكر. “هل سأنسى كل شيء وأولد من جديد؟” فتح يوريتش عينيه على شعور غريب. أصبح سريره غارقًا في عرقه. “يوريتش.” صوت باهيل. حاول يوريتش تحريك شفتيه المتشققتين، لكن صوته لم يخرج. “هل أنا سأموت حقا بهذه الطريقة؟” أصبح الموت واضحًا، وكانت شعلة قلبه تحتضر. “اشرب هذا.” وضع باهيل شيئًا ما في فم يوريتش. “هل هذا سوف ينجح؟” شك باهيل. “تلك العاهرة اللعينة.” لم تظهر زونيبا قط. لم ترسل سوى عصيدة إلا مع رسول بعد انقضاء الأيام الثلاثة الموعودة. “أعلم أنه من الصعب عليك تناول الطعام الآن، لكن امضغه جيدًا قبل أن تبتلعه.” كانت عصيدة لحم. قطعها صغيرة ولينة بما يكفي ليتمكن يوريتش من ابتلاعها دون مضغ. بدا اللحم في العصيدة كافيًا لتغطية الطبق بالدهن. تذوق باهيل قليلاً من العصيدة. بدت مزيجاً من الحلاوة ونكهة اللحم. طعمها كأنها مصنوعة من لحم عالي الجودة. ’عصيدة الحياة’، على الأقل هذا ما قاله الرسول. قال إنها عصيدة الحياة من زونيبا. “كحكح ” سعل يوريتش وهو يشرب العصيدة. فتح عينيه على اتساعهما. “يوريتش؟” انتزع يوريتش الطبق من يد باهيل ودفن وجهه فيه، وهو يرتشف العصيدة. بدا وكأنه قد فتح شهيته أخيرًا. “كراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااع.” بعد أن أطلق تجشؤًا طويلًا، استلقى يوريتش على السرير، وبدا وكأنه قد مات. لم يستيقظ حتى. أكل نصف نائم كالحيوان. نظر باهيل إلى يوريتش النائم. و وجهه لا يزال شاحبًا. “لم أدفع لكَ مقابلَ إرسالِ عصيدةٍ يا زونيبا ” تمتم باهيل وهو ينهضُ متوجهًا إلى الحانة حيثُ التقى زونيبا لأول مرة. أصبحت الشوارعُ بعد غروب الشمس خاليةً تمامًا، وكان الحراسُ يجوبون المكان. “لقد أهدرنا الكثير من الوقت هنا.” أصبح باهيل قلقًا. “علينا أن نترك يوريتش خلفنا.” لم يكن هناك حل آخر. إن لم يتغلب يوريتش على هذا المرض، فلا بد من تركه. “سأصبح الملك. لن أبقى مقيدًا هنا بعد الآن. إن لم يستطع مجاراتي، فلا خيار أمامي.” فتح باهيل باب الحانة. تذكره صاحب الحانة. “ظننتُ أنك لن تعود أبدًا يا سيدي. لم أجد معالجًا بربريًا. حتى لو كان أحدهم كذلك، فلن يكشف أمره بسهولة في هذا العصر ” قال صاحب الحانة لباهيل وهو يُناوله البيرة لم يطلبها حتى. “حسنًا، هناك سؤال آخر أريد أن أسأله. أين تلك العاهرة، زونيبا؟” “لم أرها منذ المرة الأخيرة التي أتيت فيها. اعتقدت للتو أنك دفعت لها بعض المال اللائق وأنك كنت تقضي وقتًا معها لبضعة أيام.” “هل تعرف أين تعيش؟” ” بالنسبة لهؤلاء العاهرات، بيوت جميع الرجال هي بيوتهن. هناك ما يكفي من الأسرّة ليبيتوا عليها كل ليلة. هل خدعتكِ؟ ” قال صاحب الحانة بابتسامة ساخرة. اختار باهيل عدم الإجابة. “ألم أقل لك أن تنتبه لجيبك؟ هؤلاء العاهرات جميعهن لصوص. من السهل أن تُخدع، خاصةً بلهجتهم الجنوبية الغامضة. هل أخبرتك أنها معالجة؟ هاه، كنت أعرف ذلك. اعتبره درسًا. جميع العاهرات محتالات.” “إذا رأيتَ زونيبا، فأخبرني. سأدفع لكَ ثمنًا باهظًا.” أخبر باهيل صاحب الحانة باسم النزل الذي كان يقيم فيه. فأومأ صاحب الحانة برأسه سعيدًا. ” آه، أيضًا، من الأفضل لشخصٍ غريبٍ مثلك أن يتجنب الظهور بمظهرٍ مثيرٍ للريبة. لقد وقعت حادثةٌ أخرى.” “حادثة؟” ” اختُطف طفل حديث الولادة. ربما ذلك من بقايا فرقة الثعابين، تلك الطائفة القذرة.” أومأ باهيل وغادر الحانة. تغيرت معدته، ولم يشعر إلا بالاستياء. * * * “صاحب السمو، لقد نفذ الوقت لدينا، يجب أن ننطلق اليوم.” أشرق النهار. فيليون، الذي يستعد للمغادرة، أيقظ باهيل. “ماذا عن المرتزقة؟” ” إنهم يختارون قائدًا جديدًا بينما نتحدث.” ارتدى باهيل ملابسه ونزل إلى الطابق السفلي. بدا الطابق الأرضي مكتظًا بالمرتزقة المتجمعين. “دونوفان هو الشخص الوحيد المناسب لتولي المسؤولية.” ” إذن، ألا ينبغي لنا أن نغير اسمنا أيضًا؟” “توقف عن الكلام الآن. فقط من يريد البقاء في الفريق يمكنه التصويت.” أصبح المرتزقة في ورطة. هز باهيل رأسه. ‘انتهى.’ فرقة المرتزقة بدون يوريتش مجرد مجموعة من الحمقى. “لا يمكن الوثوق دونوفان. إنه عمليٌّ للغاية. لا نعرف أبدًا متى سيخوننا متذرعًا بتغيير القيادة. إذا أردناهم أن يُكملوا مهمتنا، فمن الأفضل أن يُقسم يمينًا جديدًا. يبدو أنه تابعٌ مُخلصٌ للو.” حذّر فيليون باهيل، وهو يحذر من دونوفان. نظر باهيل إلى المرتزقة من الطابق الثاني. “سنغادر اليوم. حالما يستقر الفريق، سأناقش خطواتنا التالية مع ممثلكم.” قال باهيل وهو يجلس: “جميع المرتزقة رأوا الأمير الشاب بنظرة مختلفة.” “لقد تغير هذا السيد الشاب قليلاً.” شعر المرتزقة بالتغيير الذي طرأ على باهيل. أصبح الصبي رجلاً. ازداد نضجًا في كلامه، بهالة نبيلة. هناك أناقة في سلوكه كانت مخفية بتصرفاته غير الناضجة حتى ذلك الحين. “من سيمثلنا؟” نظر المرتزقة إلى بعضهم البعض. “سأفعلها. لديّ خبرة عسكرية، وأنا هنا منذ البداية. أعتقد أن هذا يُؤهلني تمامًا لذلك ” قال دونوفان رافعًا يده. صفّر المرتزقة الموالون له وهتفوا. “اللعنة، إنه يبدأ.” نظر باتشمان حوله. لم يفعل شيئًا منذ مرض يوريتش. أقنع بعض المرتزقة بتكوين مجموعته الخاصة. “عليّ أن أجرب، بغض النظر عن النتيجة. هذه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر بالنسبة لي.” رفع باتشمان يده امام دونوفان. “لستُ مقاتلًا بارعًا كيوريتش أو دونوفان، لكنني سأبذل قصارى جهدي لضمان حصولنا على أكبر قدر ممكن من المال. هل ترغب حقًا في اتباع قائد مثل دونوفان، الذي دائمًا ما يكون في حالة توتر؟ أنا واثق من قدرتي على الحصول على أجر أفضل من عملائنا مقابل نفس العمل.” شخصية دونوفان متناقضة. كان وفيًا لشعبه بلا حدود، لكنه بارد تجاه من يخالفه. بدا وغدًا، مهما بدت عليه الأمور. “دونوفان من حيث المهارة، أم باتشمان من حيث القدرة على التواصل الاجتماعي؟” على المرتزقة أن يصوتوا لأحدهم. “من غير المرجح أن أتمكن من التغلب عليه في التصويت، ولكن يتعين علي أن أحاول”. ألقى باتشمان نظرة على دونوفان، الذي نظر إليه ورأسه مائل. “لم أتوقع منك الترشح لمنصب القائد، باتشمان.” “أنا مؤهل مثلك تمامًا. مهارة القتال ليست العامل الوحيد الذي يجعل منك قائدًا جيدًا للمرتزقة.” “أوافقك الرأي، إنه ليس الشيء الوحيد حقًا ” قال دونوفان مبتسمًا، كاشفًا عن أسنانه. ارتجفت عينا باتشمان، وشعر بقلقٍ يتسلل إلى رأسه. “هل فاتني شيء؟” لم يكن هناك مرشحي آخر، لذا وقف المرتزقة في صفوف. ” كل من انسحب أو امتنع عن التصويت، فليتنحّى جانبًا. حسنًا، لنرَ.” هناك ثمانية وثلاثون مرتزقًا يصوتون. هناك من ابتعد مثل سفين والشماليين، بينما لم يكترث كثيرون بالتصويت؛ لم يكترثوا بمن سيصبح قائدًا للفرقة. “أولئك الذين يدعمون باتشمان، يقفون إلى اليسار، وأولئك الذين يدعمون دونوفان، يقفون إلى اليمين.” تحرك المرتزقة. “تحرك، لنجعل هذا سريعًا. كلنا نعرف النتيجة، أليس كذلك؟” عقد دونوفان ذراعيه وتثاءب. نظر إلى مجموعته وابتسم. “هذا أكثر تكافؤًا مما كنت أعتقد. قد أتمكن من الفوز.” فكر باتشمان في نفسه وهو ينظر إلى الأصوات المنقسمة ويضغط على قبضتيه. “باتشمان، لم أحبك أبدًا ” قال دونوفان بصوت منخفض. “يا لها من مصادفة، وأنا أيضًا. لطالما كرهتُ رؤيتك، منذ أن كنا مصارعين.” “أعرف تمامًا سبب تقدمك. إن حصلت على المكان، فهذا رائع، وإن لم تحصل، فستستسلم، أليس كذلك؟” ضحك دونوفان، وصوته جعل باتشمان قلقًا. ‘ اللعنة.’ أدرك باتشمان أخيرًا مصدر قلقه. “لماذا يقف أحد رجال دونوفان إلى جانبي في التصويت؟ ما هذا؟” سرت قشعريرة في عموده الفقري. بدأ باتشمان يقول شيئًا، لكن التصويت قد انتهى. “التعادل. حصلا على نفس عدد الأصوات ” أعلن المرتزق الذي يدير التصويت. زوو! نهض دونوفان من مقعده وأخرج سيفه من حزامه. “إذن، من الطبيعي أن يصبح من نال مباركة لو قائدًا لفرقتنا. باتشمان، ارفع سلاحك! وإلا ازحف بين ساقيّ!” صرخ دونوفان كما لو هذا ما أراده منذ البداية. ثار المرتزقة الآخرون، ودعوا إلى مبارزة. “هذا ما أردتموه طوال الوقت، سواء القيادة أو رأسي.” أغمض باتشمان عينيه وأطلق تنهيدة طويلة. “لقد حفرتُ قبري بيدي. دونوفان تلاعب بالأصوات حتى نتعادل.” فتح عينيه. “توقف عن كونك رجلاً وعش أو مت كرجل.” لو انسحب باتشمان من المبارزة، لأصبح أضحوكة بقية حياته. سيُذكر اسمه في كل مائدة يجتمع حولها المرتزقة. “… ومن يدري، ربما أكون محظوظًا وأفوز بالفعل.” ضحك باتشمان بهدوء وهو يهز كتفيه. كان انتهازيًا، لكنه لم يكن جبانًا. أيضًا مصارعًا ومحاربًا خاض معاركه مجازفًا بحياته. زوو! رفع باتشمان رمحه. “نعم، هذا كل شيء يا باتشمان! نحن رجال. لو تراجعتَ فعلاً، لكنتُ احتقرتك – لا، لم أكن لأراك إنسانًا!” قال دونوفان وهو يُدير سيفه في يده. حُددت المبارزة. “واووهه … “مبارزة! مبارزة!” قام المرتزقة بنقل الطاولات والكراسي من وسط الغرفة ليشكلوا دائرة ليقف فيها دونوفان وباتشمان. ” كان لدي دائمًا شعور غامض بأن هذا اليوم سيأتي.” ” كان لديّ شعور غامض بأن هذا اليوم سيأتي. حلمتُ برمحي يخترق حنجرتك عدة مرات.” ضحك دونوفان من كلمات باتشمان. ” حلمتُ كثيرًا بأنني قطعتُ رأسك. ربما نحن متوافقان بشكلٍ مدهش، أليس كذلك؟ كيكي.” لم يرفع دونوفان درعه. كان واثقًا من قدرته على مواجهة باتشمان بسيفه وحده، وهذا يُظهر مدى تفوقهما في المهارات. بدا دونوفان المحارب المتفوق، لا شك في ذلك. “دونوفان، ترهيبه ليس مزحة.” حدق باتشمان في خصمه برمحه الموجه إليه. دونوفان يدور حول باتشمان. ” هاف، هاف.” هدأ باتشمان أنفاسه وهو يستعد لتمديد ذراعيه. “هجوم واحد سوف يقرر هذا الأمر” أصبحت يداه تتعرقان وهو يمسك بسهم الرمح. تذكر أحاسيس المعركة. “لقد اخترت الرمح كسلاح لي لأنني اعتدت عليه.” كان باتشمان صيادًا محترفًا، وكان بارعًا في صيد الأسماك بالرمح، حتى الأسماك السابحة. وكثيرًا ما كان يُطلب منه صيد الحيتان، ولكن حتى مع كل الثناء الذي حظي به من بلدته، ظلّ صيادًا ماهرًا من بلدة صيد صغيرة. العالم مكانٌ واسعٌ يعجّ بأشخاصٍ مثلي. عرفتُ أنني لن أصبح محاربًا بارعًا أبدًا بمجرد أن رأيتُ هؤلاء المحاربين الاستثنائيين. أخذ باتشمان نفسًا عميقًا. وقف ساكنًا منتظرًا دونوفان ليقترب، كالصخرة. “يا لو، هل هذا عقابك لي على حياتي الماكرة؟ أم أن هذه محنة تريدني أن أتجاوزها؟” بوو! اهتزت قلادة الشمس التي يرتديها باتشمان. وكأن تلك إشارته، انقض عليه دونوفان.

الحمى تُجبر الإنسان على الحلم. تُقسّم وعيه إلى نصفين، فيُطلّ الوعي السطحي على اللاوعي العميق.
“الغابات والسهول.”
رأى يوريتش وطنه. عاش الناس على الصيد وجمع الثمار، وعندما استُنفدت موارد أراضيهم، كانوا يغزون أراضي قبائل أخرى ليبنوا وطنًا جديدًا.
“نحن قادرون على فعل ذلك.”
الزراعة، المدينة، الحضارة.
أراد يوريتش جلب الحضارة إلى وطنه.
ارتفعت حرارته، وأصبح تنفسه مضطربًا. أصبح وعيه يتشتت، ورأى لهبًا.
“جبال السماء.”
أصبح عالم الأرواح كذبة، لكنه بالفعل عالم الحضارة.
“حاكم الشمس لو.”
لم يستطع الإنسان التحديق في الشمس. لو حاول، لأصبح أعمى.
“إذا متُّ هكذا، فإن روحي سوف…”
استندت عقيدة حاكم الشمس لو إلى التناسخ. كان يهدي أرواح الموتى. أما الأرواح التي تطهرت في حضنه، فكانت تُرسل إلى الأرض لتولد من جديد. وفي النهاية، كان الأحياء يجتمعون مع الموتى، وتشابك تاريخ البشر في تناسخات لا تُحصى. لكنهم ببساطة لم يتمكنوا من التذكر.
“هل سأنسى كل شيء وأولد من جديد؟”
فتح يوريتش عينيه على شعور غريب. أصبح سريره غارقًا في عرقه.
“يوريتش.”
صوت باهيل. حاول يوريتش تحريك شفتيه المتشققتين، لكن صوته لم يخرج.
“هل أنا سأموت حقا بهذه الطريقة؟”
أصبح الموت واضحًا، وكانت شعلة قلبه تحتضر.
“اشرب هذا.”
وضع باهيل شيئًا ما في فم يوريتش.
“هل هذا سوف ينجح؟”
شك باهيل.
“تلك العاهرة اللعينة.”
لم تظهر زونيبا قط. لم ترسل سوى عصيدة إلا مع رسول بعد انقضاء الأيام الثلاثة الموعودة.
“أعلم أنه من الصعب عليك تناول الطعام الآن، لكن امضغه جيدًا قبل أن تبتلعه.”
كانت عصيدة لحم. قطعها صغيرة ولينة بما يكفي ليتمكن يوريتش من ابتلاعها دون مضغ. بدا اللحم في العصيدة كافيًا لتغطية الطبق بالدهن.
تذوق باهيل قليلاً من العصيدة. بدت مزيجاً من الحلاوة ونكهة اللحم. طعمها كأنها مصنوعة من لحم عالي الجودة.
’عصيدة الحياة’، على الأقل هذا ما قاله الرسول. قال إنها عصيدة الحياة من زونيبا.
“كحكح ” سعل يوريتش وهو يشرب العصيدة. فتح عينيه على اتساعهما.
“يوريتش؟”
انتزع يوريتش الطبق من يد باهيل ودفن وجهه فيه، وهو يرتشف العصيدة. بدا وكأنه قد فتح شهيته أخيرًا.
“كراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااع.”
بعد أن أطلق تجشؤًا طويلًا، استلقى يوريتش على السرير، وبدا وكأنه قد مات.
لم يستيقظ حتى. أكل نصف نائم كالحيوان.
نظر باهيل إلى يوريتش النائم. و وجهه لا يزال شاحبًا.
“لم أدفع لكَ مقابلَ إرسالِ عصيدةٍ يا زونيبا ” تمتم باهيل وهو ينهضُ متوجهًا إلى الحانة حيثُ التقى زونيبا لأول مرة. أصبحت الشوارعُ بعد غروب الشمس خاليةً تمامًا، وكان الحراسُ يجوبون المكان.
“لقد أهدرنا الكثير من الوقت هنا.”
أصبح باهيل قلقًا.
“علينا أن نترك يوريتش خلفنا.”
لم يكن هناك حل آخر. إن لم يتغلب يوريتش على هذا المرض، فلا بد من تركه.
“سأصبح الملك. لن أبقى مقيدًا هنا بعد الآن. إن لم يستطع مجاراتي، فلا خيار أمامي.”
فتح باهيل باب الحانة. تذكره صاحب الحانة.
“ظننتُ أنك لن تعود أبدًا يا سيدي. لم أجد معالجًا بربريًا. حتى لو كان أحدهم كذلك، فلن يكشف أمره بسهولة في هذا العصر ” قال صاحب الحانة لباهيل وهو يُناوله البيرة لم يطلبها حتى.
“حسنًا، هناك سؤال آخر أريد أن أسأله. أين تلك العاهرة، زونيبا؟”
“لم أرها منذ المرة الأخيرة التي أتيت فيها. اعتقدت للتو أنك دفعت لها بعض المال اللائق وأنك كنت تقضي وقتًا معها لبضعة أيام.”
“هل تعرف أين تعيش؟”
” بالنسبة لهؤلاء العاهرات، بيوت جميع الرجال هي بيوتهن. هناك ما يكفي من الأسرّة ليبيتوا عليها كل ليلة. هل خدعتكِ؟ ” قال صاحب الحانة بابتسامة ساخرة. اختار باهيل عدم الإجابة.
“ألم أقل لك أن تنتبه لجيبك؟ هؤلاء العاهرات جميعهن لصوص. من السهل أن تُخدع، خاصةً بلهجتهم الجنوبية الغامضة. هل أخبرتك أنها معالجة؟ هاه، كنت أعرف ذلك. اعتبره درسًا. جميع العاهرات محتالات.”
“إذا رأيتَ زونيبا، فأخبرني. سأدفع لكَ ثمنًا باهظًا.”
أخبر باهيل صاحب الحانة باسم النزل الذي كان يقيم فيه. فأومأ صاحب الحانة برأسه سعيدًا.
” آه، أيضًا، من الأفضل لشخصٍ غريبٍ مثلك أن يتجنب الظهور بمظهرٍ مثيرٍ للريبة. لقد وقعت حادثةٌ أخرى.”
“حادثة؟”
” اختُطف طفل حديث الولادة. ربما ذلك من بقايا فرقة الثعابين، تلك الطائفة القذرة.”
أومأ باهيل وغادر الحانة. تغيرت معدته، ولم يشعر إلا بالاستياء.
* * *
“صاحب السمو، لقد نفذ الوقت لدينا، يجب أن ننطلق اليوم.”
أشرق النهار. فيليون، الذي يستعد للمغادرة، أيقظ باهيل.
“ماذا عن المرتزقة؟”
” إنهم يختارون قائدًا جديدًا بينما نتحدث.”
ارتدى باهيل ملابسه ونزل إلى الطابق السفلي. بدا الطابق الأرضي مكتظًا بالمرتزقة المتجمعين.
“دونوفان هو الشخص الوحيد المناسب لتولي المسؤولية.”
” إذن، ألا ينبغي لنا أن نغير اسمنا أيضًا؟”
“توقف عن الكلام الآن. فقط من يريد البقاء في الفريق يمكنه التصويت.”
أصبح المرتزقة في ورطة. هز باهيل رأسه.
‘انتهى.’
فرقة المرتزقة بدون يوريتش مجرد مجموعة من الحمقى.
“لا يمكن الوثوق دونوفان. إنه عمليٌّ للغاية. لا نعرف أبدًا متى سيخوننا متذرعًا بتغيير القيادة. إذا أردناهم أن يُكملوا مهمتنا، فمن الأفضل أن يُقسم يمينًا جديدًا. يبدو أنه تابعٌ مُخلصٌ للو.”
حذّر فيليون باهيل، وهو يحذر من دونوفان. نظر باهيل إلى المرتزقة من الطابق الثاني.
“سنغادر اليوم. حالما يستقر الفريق، سأناقش خطواتنا التالية مع ممثلكم.”
قال باهيل وهو يجلس: “جميع المرتزقة رأوا الأمير الشاب بنظرة مختلفة.”
“لقد تغير هذا السيد الشاب قليلاً.”
شعر المرتزقة بالتغيير الذي طرأ على باهيل. أصبح الصبي رجلاً. ازداد نضجًا في كلامه، بهالة نبيلة. هناك أناقة في سلوكه كانت مخفية بتصرفاته غير الناضجة حتى ذلك الحين.
“من سيمثلنا؟”
نظر المرتزقة إلى بعضهم البعض.
“سأفعلها. لديّ خبرة عسكرية، وأنا هنا منذ البداية. أعتقد أن هذا يُؤهلني تمامًا لذلك ” قال دونوفان رافعًا يده. صفّر المرتزقة الموالون له وهتفوا.
“اللعنة، إنه يبدأ.”
نظر باتشمان حوله. لم يفعل شيئًا منذ مرض يوريتش. أقنع بعض المرتزقة بتكوين مجموعته الخاصة.
“عليّ أن أجرب، بغض النظر عن النتيجة. هذه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر بالنسبة لي.”
رفع باتشمان يده امام دونوفان.
“لستُ مقاتلًا بارعًا كيوريتش أو دونوفان، لكنني سأبذل قصارى جهدي لضمان حصولنا على أكبر قدر ممكن من المال. هل ترغب حقًا في اتباع قائد مثل دونوفان، الذي دائمًا ما يكون في حالة توتر؟ أنا واثق من قدرتي على الحصول على أجر أفضل من عملائنا مقابل نفس العمل.”
شخصية دونوفان متناقضة. كان وفيًا لشعبه بلا حدود، لكنه بارد تجاه من يخالفه. بدا وغدًا، مهما بدت عليه الأمور.
“دونوفان من حيث المهارة، أم باتشمان من حيث القدرة على التواصل الاجتماعي؟”
على المرتزقة أن يصوتوا لأحدهم.
“من غير المرجح أن أتمكن من التغلب عليه في التصويت، ولكن يتعين علي أن أحاول”.
ألقى باتشمان نظرة على دونوفان، الذي نظر إليه ورأسه مائل.
“لم أتوقع منك الترشح لمنصب القائد، باتشمان.”
“أنا مؤهل مثلك تمامًا. مهارة القتال ليست العامل الوحيد الذي يجعل منك قائدًا جيدًا للمرتزقة.”
“أوافقك الرأي، إنه ليس الشيء الوحيد حقًا ” قال دونوفان مبتسمًا، كاشفًا عن أسنانه.
ارتجفت عينا باتشمان، وشعر بقلقٍ يتسلل إلى رأسه.
“هل فاتني شيء؟”
لم يكن هناك مرشحي آخر، لذا وقف المرتزقة في صفوف.
” كل من انسحب أو امتنع عن التصويت، فليتنحّى جانبًا. حسنًا، لنرَ.”
هناك ثمانية وثلاثون مرتزقًا يصوتون. هناك من ابتعد مثل سفين والشماليين، بينما لم يكترث كثيرون بالتصويت؛ لم يكترثوا بمن سيصبح قائدًا للفرقة.
“أولئك الذين يدعمون باتشمان، يقفون إلى اليسار، وأولئك الذين يدعمون دونوفان، يقفون إلى اليمين.”
تحرك المرتزقة.
“تحرك، لنجعل هذا سريعًا. كلنا نعرف النتيجة، أليس كذلك؟”
عقد دونوفان ذراعيه وتثاءب. نظر إلى مجموعته وابتسم.
“هذا أكثر تكافؤًا مما كنت أعتقد. قد أتمكن من الفوز.”
فكر باتشمان في نفسه وهو ينظر إلى الأصوات المنقسمة ويضغط على قبضتيه.
“باتشمان، لم أحبك أبدًا ” قال دونوفان بصوت منخفض.
“يا لها من مصادفة، وأنا أيضًا. لطالما كرهتُ رؤيتك، منذ أن كنا مصارعين.”
“أعرف تمامًا سبب تقدمك. إن حصلت على المكان، فهذا رائع، وإن لم تحصل، فستستسلم، أليس كذلك؟” ضحك دونوفان، وصوته جعل باتشمان قلقًا.
‘ اللعنة.’
أدرك باتشمان أخيرًا مصدر قلقه.
“لماذا يقف أحد رجال دونوفان إلى جانبي في التصويت؟ ما هذا؟”
سرت قشعريرة في عموده الفقري. بدأ باتشمان يقول شيئًا، لكن التصويت قد انتهى.
“التعادل. حصلا على نفس عدد الأصوات ” أعلن المرتزق الذي يدير التصويت.
زوو!
نهض دونوفان من مقعده وأخرج سيفه من حزامه.
“إذن، من الطبيعي أن يصبح من نال مباركة لو قائدًا لفرقتنا. باتشمان، ارفع سلاحك! وإلا ازحف بين ساقيّ!”
صرخ دونوفان كما لو هذا ما أراده منذ البداية. ثار المرتزقة الآخرون، ودعوا إلى مبارزة.
“هذا ما أردتموه طوال الوقت، سواء القيادة أو رأسي.”
أغمض باتشمان عينيه وأطلق تنهيدة طويلة.
“لقد حفرتُ قبري بيدي. دونوفان تلاعب بالأصوات حتى نتعادل.”
فتح عينيه.
“توقف عن كونك رجلاً وعش أو مت كرجل.”
لو انسحب باتشمان من المبارزة، لأصبح أضحوكة بقية حياته. سيُذكر اسمه في كل مائدة يجتمع حولها المرتزقة.
“… ومن يدري، ربما أكون محظوظًا وأفوز بالفعل.”
ضحك باتشمان بهدوء وهو يهز كتفيه. كان انتهازيًا، لكنه لم يكن جبانًا. أيضًا مصارعًا ومحاربًا خاض معاركه مجازفًا بحياته.
زوو!
رفع باتشمان رمحه.
“نعم، هذا كل شيء يا باتشمان! نحن رجال. لو تراجعتَ فعلاً، لكنتُ احتقرتك – لا، لم أكن لأراك إنسانًا!” قال دونوفان وهو يُدير سيفه في يده. حُددت المبارزة.
“واووهه …
“مبارزة! مبارزة!”
قام المرتزقة بنقل الطاولات والكراسي من وسط الغرفة ليشكلوا دائرة ليقف فيها دونوفان وباتشمان.
” كان لدي دائمًا شعور غامض بأن هذا اليوم سيأتي.”
” كان لديّ شعور غامض بأن هذا اليوم سيأتي. حلمتُ برمحي يخترق حنجرتك عدة مرات.”
ضحك دونوفان من كلمات باتشمان.
” حلمتُ كثيرًا بأنني قطعتُ رأسك. ربما نحن متوافقان بشكلٍ مدهش، أليس كذلك؟ كيكي.”
لم يرفع دونوفان درعه. كان واثقًا من قدرته على مواجهة باتشمان بسيفه وحده، وهذا يُظهر مدى تفوقهما في المهارات. بدا دونوفان المحارب المتفوق، لا شك في ذلك.
“دونوفان، ترهيبه ليس مزحة.”
حدق باتشمان في خصمه برمحه الموجه إليه.
دونوفان يدور حول باتشمان.
” هاف، هاف.”
هدأ باتشمان أنفاسه وهو يستعد لتمديد ذراعيه.
“هجوم واحد سوف يقرر هذا الأمر”
أصبحت يداه تتعرقان وهو يمسك بسهم الرمح. تذكر أحاسيس المعركة.
“لقد اخترت الرمح كسلاح لي لأنني اعتدت عليه.”
كان باتشمان صيادًا محترفًا، وكان بارعًا في صيد الأسماك بالرمح، حتى الأسماك السابحة. وكثيرًا ما كان يُطلب منه صيد الحيتان، ولكن حتى مع كل الثناء الذي حظي به من بلدته، ظلّ صيادًا ماهرًا من بلدة صيد صغيرة.
العالم مكانٌ واسعٌ يعجّ بأشخاصٍ مثلي. عرفتُ أنني لن أصبح محاربًا بارعًا أبدًا بمجرد أن رأيتُ هؤلاء المحاربين الاستثنائيين.
أخذ باتشمان نفسًا عميقًا. وقف ساكنًا منتظرًا دونوفان ليقترب، كالصخرة.
“يا لو، هل هذا عقابك لي على حياتي الماكرة؟ أم أن هذه محنة تريدني أن أتجاوزها؟”
بوو!
اهتزت قلادة الشمس التي يرتديها باتشمان. وكأن تلك إشارته، انقض عليه دونوفان.

الحمى تُجبر الإنسان على الحلم. تُقسّم وعيه إلى نصفين، فيُطلّ الوعي السطحي على اللاوعي العميق. “الغابات والسهول.” رأى يوريتش وطنه. عاش الناس على الصيد وجمع الثمار، وعندما استُنفدت موارد أراضيهم، كانوا يغزون أراضي قبائل أخرى ليبنوا وطنًا جديدًا. “نحن قادرون على فعل ذلك.” الزراعة، المدينة، الحضارة. أراد يوريتش جلب الحضارة إلى وطنه. ارتفعت حرارته، وأصبح تنفسه مضطربًا. أصبح وعيه يتشتت، ورأى لهبًا. “جبال السماء.” أصبح عالم الأرواح كذبة، لكنه بالفعل عالم الحضارة. “حاكم الشمس لو.” لم يستطع الإنسان التحديق في الشمس. لو حاول، لأصبح أعمى. “إذا متُّ هكذا، فإن روحي سوف…” استندت عقيدة حاكم الشمس لو إلى التناسخ. كان يهدي أرواح الموتى. أما الأرواح التي تطهرت في حضنه، فكانت تُرسل إلى الأرض لتولد من جديد. وفي النهاية، كان الأحياء يجتمعون مع الموتى، وتشابك تاريخ البشر في تناسخات لا تُحصى. لكنهم ببساطة لم يتمكنوا من التذكر. “هل سأنسى كل شيء وأولد من جديد؟” فتح يوريتش عينيه على شعور غريب. أصبح سريره غارقًا في عرقه. “يوريتش.” صوت باهيل. حاول يوريتش تحريك شفتيه المتشققتين، لكن صوته لم يخرج. “هل أنا سأموت حقا بهذه الطريقة؟” أصبح الموت واضحًا، وكانت شعلة قلبه تحتضر. “اشرب هذا.” وضع باهيل شيئًا ما في فم يوريتش. “هل هذا سوف ينجح؟” شك باهيل. “تلك العاهرة اللعينة.” لم تظهر زونيبا قط. لم ترسل سوى عصيدة إلا مع رسول بعد انقضاء الأيام الثلاثة الموعودة. “أعلم أنه من الصعب عليك تناول الطعام الآن، لكن امضغه جيدًا قبل أن تبتلعه.” كانت عصيدة لحم. قطعها صغيرة ولينة بما يكفي ليتمكن يوريتش من ابتلاعها دون مضغ. بدا اللحم في العصيدة كافيًا لتغطية الطبق بالدهن. تذوق باهيل قليلاً من العصيدة. بدت مزيجاً من الحلاوة ونكهة اللحم. طعمها كأنها مصنوعة من لحم عالي الجودة. ’عصيدة الحياة’، على الأقل هذا ما قاله الرسول. قال إنها عصيدة الحياة من زونيبا. “كحكح ” سعل يوريتش وهو يشرب العصيدة. فتح عينيه على اتساعهما. “يوريتش؟” انتزع يوريتش الطبق من يد باهيل ودفن وجهه فيه، وهو يرتشف العصيدة. بدا وكأنه قد فتح شهيته أخيرًا. “كراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااع.” بعد أن أطلق تجشؤًا طويلًا، استلقى يوريتش على السرير، وبدا وكأنه قد مات. لم يستيقظ حتى. أكل نصف نائم كالحيوان. نظر باهيل إلى يوريتش النائم. و وجهه لا يزال شاحبًا. “لم أدفع لكَ مقابلَ إرسالِ عصيدةٍ يا زونيبا ” تمتم باهيل وهو ينهضُ متوجهًا إلى الحانة حيثُ التقى زونيبا لأول مرة. أصبحت الشوارعُ بعد غروب الشمس خاليةً تمامًا، وكان الحراسُ يجوبون المكان. “لقد أهدرنا الكثير من الوقت هنا.” أصبح باهيل قلقًا. “علينا أن نترك يوريتش خلفنا.” لم يكن هناك حل آخر. إن لم يتغلب يوريتش على هذا المرض، فلا بد من تركه. “سأصبح الملك. لن أبقى مقيدًا هنا بعد الآن. إن لم يستطع مجاراتي، فلا خيار أمامي.” فتح باهيل باب الحانة. تذكره صاحب الحانة. “ظننتُ أنك لن تعود أبدًا يا سيدي. لم أجد معالجًا بربريًا. حتى لو كان أحدهم كذلك، فلن يكشف أمره بسهولة في هذا العصر ” قال صاحب الحانة لباهيل وهو يُناوله البيرة لم يطلبها حتى. “حسنًا، هناك سؤال آخر أريد أن أسأله. أين تلك العاهرة، زونيبا؟” “لم أرها منذ المرة الأخيرة التي أتيت فيها. اعتقدت للتو أنك دفعت لها بعض المال اللائق وأنك كنت تقضي وقتًا معها لبضعة أيام.” “هل تعرف أين تعيش؟” ” بالنسبة لهؤلاء العاهرات، بيوت جميع الرجال هي بيوتهن. هناك ما يكفي من الأسرّة ليبيتوا عليها كل ليلة. هل خدعتكِ؟ ” قال صاحب الحانة بابتسامة ساخرة. اختار باهيل عدم الإجابة. “ألم أقل لك أن تنتبه لجيبك؟ هؤلاء العاهرات جميعهن لصوص. من السهل أن تُخدع، خاصةً بلهجتهم الجنوبية الغامضة. هل أخبرتك أنها معالجة؟ هاه، كنت أعرف ذلك. اعتبره درسًا. جميع العاهرات محتالات.” “إذا رأيتَ زونيبا، فأخبرني. سأدفع لكَ ثمنًا باهظًا.” أخبر باهيل صاحب الحانة باسم النزل الذي كان يقيم فيه. فأومأ صاحب الحانة برأسه سعيدًا. ” آه، أيضًا، من الأفضل لشخصٍ غريبٍ مثلك أن يتجنب الظهور بمظهرٍ مثيرٍ للريبة. لقد وقعت حادثةٌ أخرى.” “حادثة؟” ” اختُطف طفل حديث الولادة. ربما ذلك من بقايا فرقة الثعابين، تلك الطائفة القذرة.” أومأ باهيل وغادر الحانة. تغيرت معدته، ولم يشعر إلا بالاستياء. * * * “صاحب السمو، لقد نفذ الوقت لدينا، يجب أن ننطلق اليوم.” أشرق النهار. فيليون، الذي يستعد للمغادرة، أيقظ باهيل. “ماذا عن المرتزقة؟” ” إنهم يختارون قائدًا جديدًا بينما نتحدث.” ارتدى باهيل ملابسه ونزل إلى الطابق السفلي. بدا الطابق الأرضي مكتظًا بالمرتزقة المتجمعين. “دونوفان هو الشخص الوحيد المناسب لتولي المسؤولية.” ” إذن، ألا ينبغي لنا أن نغير اسمنا أيضًا؟” “توقف عن الكلام الآن. فقط من يريد البقاء في الفريق يمكنه التصويت.” أصبح المرتزقة في ورطة. هز باهيل رأسه. ‘انتهى.’ فرقة المرتزقة بدون يوريتش مجرد مجموعة من الحمقى. “لا يمكن الوثوق دونوفان. إنه عمليٌّ للغاية. لا نعرف أبدًا متى سيخوننا متذرعًا بتغيير القيادة. إذا أردناهم أن يُكملوا مهمتنا، فمن الأفضل أن يُقسم يمينًا جديدًا. يبدو أنه تابعٌ مُخلصٌ للو.” حذّر فيليون باهيل، وهو يحذر من دونوفان. نظر باهيل إلى المرتزقة من الطابق الثاني. “سنغادر اليوم. حالما يستقر الفريق، سأناقش خطواتنا التالية مع ممثلكم.” قال باهيل وهو يجلس: “جميع المرتزقة رأوا الأمير الشاب بنظرة مختلفة.” “لقد تغير هذا السيد الشاب قليلاً.” شعر المرتزقة بالتغيير الذي طرأ على باهيل. أصبح الصبي رجلاً. ازداد نضجًا في كلامه، بهالة نبيلة. هناك أناقة في سلوكه كانت مخفية بتصرفاته غير الناضجة حتى ذلك الحين. “من سيمثلنا؟” نظر المرتزقة إلى بعضهم البعض. “سأفعلها. لديّ خبرة عسكرية، وأنا هنا منذ البداية. أعتقد أن هذا يُؤهلني تمامًا لذلك ” قال دونوفان رافعًا يده. صفّر المرتزقة الموالون له وهتفوا. “اللعنة، إنه يبدأ.” نظر باتشمان حوله. لم يفعل شيئًا منذ مرض يوريتش. أقنع بعض المرتزقة بتكوين مجموعته الخاصة. “عليّ أن أجرب، بغض النظر عن النتيجة. هذه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر بالنسبة لي.” رفع باتشمان يده امام دونوفان. “لستُ مقاتلًا بارعًا كيوريتش أو دونوفان، لكنني سأبذل قصارى جهدي لضمان حصولنا على أكبر قدر ممكن من المال. هل ترغب حقًا في اتباع قائد مثل دونوفان، الذي دائمًا ما يكون في حالة توتر؟ أنا واثق من قدرتي على الحصول على أجر أفضل من عملائنا مقابل نفس العمل.” شخصية دونوفان متناقضة. كان وفيًا لشعبه بلا حدود، لكنه بارد تجاه من يخالفه. بدا وغدًا، مهما بدت عليه الأمور. “دونوفان من حيث المهارة، أم باتشمان من حيث القدرة على التواصل الاجتماعي؟” على المرتزقة أن يصوتوا لأحدهم. “من غير المرجح أن أتمكن من التغلب عليه في التصويت، ولكن يتعين علي أن أحاول”. ألقى باتشمان نظرة على دونوفان، الذي نظر إليه ورأسه مائل. “لم أتوقع منك الترشح لمنصب القائد، باتشمان.” “أنا مؤهل مثلك تمامًا. مهارة القتال ليست العامل الوحيد الذي يجعل منك قائدًا جيدًا للمرتزقة.” “أوافقك الرأي، إنه ليس الشيء الوحيد حقًا ” قال دونوفان مبتسمًا، كاشفًا عن أسنانه. ارتجفت عينا باتشمان، وشعر بقلقٍ يتسلل إلى رأسه. “هل فاتني شيء؟” لم يكن هناك مرشحي آخر، لذا وقف المرتزقة في صفوف. ” كل من انسحب أو امتنع عن التصويت، فليتنحّى جانبًا. حسنًا، لنرَ.” هناك ثمانية وثلاثون مرتزقًا يصوتون. هناك من ابتعد مثل سفين والشماليين، بينما لم يكترث كثيرون بالتصويت؛ لم يكترثوا بمن سيصبح قائدًا للفرقة. “أولئك الذين يدعمون باتشمان، يقفون إلى اليسار، وأولئك الذين يدعمون دونوفان، يقفون إلى اليمين.” تحرك المرتزقة. “تحرك، لنجعل هذا سريعًا. كلنا نعرف النتيجة، أليس كذلك؟” عقد دونوفان ذراعيه وتثاءب. نظر إلى مجموعته وابتسم. “هذا أكثر تكافؤًا مما كنت أعتقد. قد أتمكن من الفوز.” فكر باتشمان في نفسه وهو ينظر إلى الأصوات المنقسمة ويضغط على قبضتيه. “باتشمان، لم أحبك أبدًا ” قال دونوفان بصوت منخفض. “يا لها من مصادفة، وأنا أيضًا. لطالما كرهتُ رؤيتك، منذ أن كنا مصارعين.” “أعرف تمامًا سبب تقدمك. إن حصلت على المكان، فهذا رائع، وإن لم تحصل، فستستسلم، أليس كذلك؟” ضحك دونوفان، وصوته جعل باتشمان قلقًا. ‘ اللعنة.’ أدرك باتشمان أخيرًا مصدر قلقه. “لماذا يقف أحد رجال دونوفان إلى جانبي في التصويت؟ ما هذا؟” سرت قشعريرة في عموده الفقري. بدأ باتشمان يقول شيئًا، لكن التصويت قد انتهى. “التعادل. حصلا على نفس عدد الأصوات ” أعلن المرتزق الذي يدير التصويت. زوو! نهض دونوفان من مقعده وأخرج سيفه من حزامه. “إذن، من الطبيعي أن يصبح من نال مباركة لو قائدًا لفرقتنا. باتشمان، ارفع سلاحك! وإلا ازحف بين ساقيّ!” صرخ دونوفان كما لو هذا ما أراده منذ البداية. ثار المرتزقة الآخرون، ودعوا إلى مبارزة. “هذا ما أردتموه طوال الوقت، سواء القيادة أو رأسي.” أغمض باتشمان عينيه وأطلق تنهيدة طويلة. “لقد حفرتُ قبري بيدي. دونوفان تلاعب بالأصوات حتى نتعادل.” فتح عينيه. “توقف عن كونك رجلاً وعش أو مت كرجل.” لو انسحب باتشمان من المبارزة، لأصبح أضحوكة بقية حياته. سيُذكر اسمه في كل مائدة يجتمع حولها المرتزقة. “… ومن يدري، ربما أكون محظوظًا وأفوز بالفعل.” ضحك باتشمان بهدوء وهو يهز كتفيه. كان انتهازيًا، لكنه لم يكن جبانًا. أيضًا مصارعًا ومحاربًا خاض معاركه مجازفًا بحياته. زوو! رفع باتشمان رمحه. “نعم، هذا كل شيء يا باتشمان! نحن رجال. لو تراجعتَ فعلاً، لكنتُ احتقرتك – لا، لم أكن لأراك إنسانًا!” قال دونوفان وهو يُدير سيفه في يده. حُددت المبارزة. “واووهه … “مبارزة! مبارزة!” قام المرتزقة بنقل الطاولات والكراسي من وسط الغرفة ليشكلوا دائرة ليقف فيها دونوفان وباتشمان. ” كان لدي دائمًا شعور غامض بأن هذا اليوم سيأتي.” ” كان لديّ شعور غامض بأن هذا اليوم سيأتي. حلمتُ برمحي يخترق حنجرتك عدة مرات.” ضحك دونوفان من كلمات باتشمان. ” حلمتُ كثيرًا بأنني قطعتُ رأسك. ربما نحن متوافقان بشكلٍ مدهش، أليس كذلك؟ كيكي.” لم يرفع دونوفان درعه. كان واثقًا من قدرته على مواجهة باتشمان بسيفه وحده، وهذا يُظهر مدى تفوقهما في المهارات. بدا دونوفان المحارب المتفوق، لا شك في ذلك. “دونوفان، ترهيبه ليس مزحة.” حدق باتشمان في خصمه برمحه الموجه إليه. دونوفان يدور حول باتشمان. ” هاف، هاف.” هدأ باتشمان أنفاسه وهو يستعد لتمديد ذراعيه. “هجوم واحد سوف يقرر هذا الأمر” أصبحت يداه تتعرقان وهو يمسك بسهم الرمح. تذكر أحاسيس المعركة. “لقد اخترت الرمح كسلاح لي لأنني اعتدت عليه.” كان باتشمان صيادًا محترفًا، وكان بارعًا في صيد الأسماك بالرمح، حتى الأسماك السابحة. وكثيرًا ما كان يُطلب منه صيد الحيتان، ولكن حتى مع كل الثناء الذي حظي به من بلدته، ظلّ صيادًا ماهرًا من بلدة صيد صغيرة. العالم مكانٌ واسعٌ يعجّ بأشخاصٍ مثلي. عرفتُ أنني لن أصبح محاربًا بارعًا أبدًا بمجرد أن رأيتُ هؤلاء المحاربين الاستثنائيين. أخذ باتشمان نفسًا عميقًا. وقف ساكنًا منتظرًا دونوفان ليقترب، كالصخرة. “يا لو، هل هذا عقابك لي على حياتي الماكرة؟ أم أن هذه محنة تريدني أن أتجاوزها؟” بوو! اهتزت قلادة الشمس التي يرتديها باتشمان. وكأن تلك إشارته، انقض عليه دونوفان.

 

 

 

 

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

اترك تعليقاً

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

تم كشف مانع اعلانات

للتخلص من جميع الاعلانات، نقدم لك موقعنا المدفوع kolnovel.com

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط