You dont have javascript enabled! Please enable it!
Switch Mode

أعزائنا القرّاء، يسرّنا إعلامكم بأن ملوك الروايات يوفر موقعًا مدفوعًا وخاليًا تمامًا من الإعلانات المزعجة، لتستمتعوا بتجربة قراءة مريحة وسلسة.

لزيارة الموقع، يُرجى النقر هنا.

هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

سعي بربري 67

الفصل 67
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
استدعى يوريتش باتشمان لاستدعاء سفين. كان الدخول إلى القصر الإمبراطوري صارمًا، لكن الشروط أقل في قصر السنونو، لأنه كان مكانًا للغرباء في المقام الأول.
دخل سفين القصر برفقة شماليين آخرين من فرقة المرتزقة. بدت وجوه الشماليين مليئة بالاشمئزاز بعد التفتيش قبل الدخول.
“هل يظن الأمير أننا تابعوه؟ يُملي علينا ما نفعله وما إلى ذلك. هذا يُغضبني ” قال أحد الشماليين باللهجة الشمالية بإحباط واضح. مسح سفين لحيته وضحك.
“كفى. قائدنا هو يوريتش، وهو من استدعانا وليس الأمير.”
“حسنًا، وهذا يوريتش، من أين هو أصلًا؟ ليس من الشمال ولا من الجنوب.”
لطالما كان الشماليون الآخرون متشوقين لمعرفة أصل يوريتش. كانوا برابرة قضوا وقتًا طويلًا مع يوريتش، لذا عرفوا أنه ليس من الشمال ولا من الجنوب.
“أغلق فمك. إذا كنت تريد حقًا أن تعرف، أو لديك مشكلة في عدم معرفته لسبب ما، فاذهب واسأل يوريتش بنفسك. هكذا نفعل الأشياء.”
قال سفين وهو يفرك كتفه المتصلبة. شعر بجسده يتآكل ببطء. لم يعد سفين محاربًا شابًا، ومع كل ما عاناه من صعوبات، أصبحت عظامه تؤلمه تحت المطر كرجل عجوز حقيقي.
الشماليون الآخرون يحترمون سفين. بدا سلوكه ينضح بشخصية قوية. من الواضح أنه كان رجل ذو مكانة مرموقة بين الشماليين.
زوو!
دخل سفين والشماليون غرفة باهيل حيث كان باهيل ويوريتش بانتظارهم. على الطاولة أمامهم، وُضع تمثال من اليشم.
“آه، أنت هنا. كنا ننتظرك يا سفين. ”
قال باهيل لسفين وهو يُحييه.
سفين رجل مهم في فرقة المرتزقة، إذ هو قائد مجموعة من خمسة شماليين ضمن الفرقة.
“سفين، هل تعرف ما هذا؟”
سأل باهيل سفين وشرح له الموقف برمته. بعد سماع السياق، ظهر في عينَي سفين شراسة، لكنه نجح في تهدئتهما أمام باهيل. مع ذلك، لا ينطبق الأمر نفسه على الشماليين الآخرين.
‘بالطبع، إنهم منزعجون. هذه قطعة من كنزهم سرقتها الإمبراطورية.’
تحدث باهيل بحذر كما لو هو من سرق كنز الشمال. بالنسبة للبرابرة الذين لم يعتنقوا بعدُ الفلسفة الشمس، الإمبراطورية لا تزال غازية.
” بصراحة، لم أرى هذا من قبل، يا أمير.”
نظر سفين إلى التمثال. اكتسى وجه باهيل بالكآبة. إن لم يكن سفين يعرف ماهية التمثال، فلا أمل بعد الآن.
“هل لا تصنعون تماثيل اليشم في الشمال؟”
“لا نشكل المجوهرات. حرفيونا يشكلون الخشب فقط.”
كان الشمال غنيًا بالأخشاب عالية الجودة. سكن معظم سكانه على طول سواحلهم نظرًا لبرودة مناخهم، وكانوا يصطادون الأسماك في أماكن بعيدة في قوارب مصنوعة من أخشابهم عالية الجودة. أما من حيث المعادن، فكان خشب الشمال يُضاهي الفولاذ. حتى نبلاء الإمبراطورية فضّلوا صنع أثاثهم من خشب الشمال.
“قال الإمبراطور أن هذا تم إحضاره من الشمال، وأنه كنزكم.”
قال باهيل وهو ينظر إلى تمثال اليشم المصنوع بحرفية ممتازة بشكل غير عادي.
“قلتُ إني لم أرَه من قبل، لكنني لم أقل إني لا أعرفه ” قال سفين بابتسامةٍ تحت لحيته. نظر باهيل إلى كلماته.
“لقد خدعتني التلاعب بالألفاظ كثيرًا هذه الأيام. أخبرني بكل ما تعرفه يا سفين.”
“همم، لست متأكدًا مما يُسمى باللغة الهاملية. قطعة أثرية شرقية؟” قال سفين بعد تلعثم لبضع ثوانٍ. حتى باهيل لم يفهم ما يعنيه ذلك.”
“تثمال شرقي؟”
“اعتبروها كنزًا شرقيًا، كما في أساطير الشمال. وهذه القطعة الأثرية الشرقية هي الدليل الوحيد الذي يُثبت صحة أساطيرنا.”
” الشرق؟ مملكة بوركانا هي أقصى أرض شرقية!”
بدا باهيل غير مصدق. هز سفين رأسه.
“ليس وفقًا لأساطيرنا. اكتشف أحد أسلافنا القارة الشرقية واستكشفها ثم عاد، وهذه القطعة الأثرية الشرقية دليل على ذلك التبادل، مع أنها الآن طريق بحري غير صالح.”
“هراء، هذه مجرد أسطورة، لا أكثر! في نهاية البحر نهاية العالم، لا أكثر!”
أبدى باهيل معارضته الشديدة لكلمات سفين ورفضها.
“نحن الشماليون ليس لدينا تاريخٌ مُدوَّنٌ مثلكم أيها المتحضرون. أساطيرنا هي تاريخنا، وبالتالي هي الحقيقة.”
لم يؤمن جميع الشماليين بأسطورة القارة الشرقية، لكن سفين يؤمن بها. كان على متن سفينة من المفترض أن تنقله إلى الشرق، لكنها تحطمت وبيع عبدًا للمصارعين.
“كل من يحاول الذهاب إلى هناك سيلقى حتفه في نهاية العالم. القارة الشرقية ليست سوى أسطورة من أساطير الشمال. إنها ليست حقيقية ” نفى باهيل كل الاحتمالات نفيًا قاطعًا. التقط يوريتش التمثال ودفعه أمام عيني باهيل.
“باهيل، لا أعرف الكثير عن هذا المكان الذي تتحدث عنه، لكن انظر إليه بتمعّن. هل تعتقد أن الشماليين هم من صنعوا هذا؟ لا تفكر فيما رأيته في كتبك، فقط انظر إليه وفكّر بنفسك. هذا دليل.”
غرقت عينا باهيل في الخوف سريعًا. لم يخطر بباله قط القارة الشرقية.
“وراء البحر يوجد جرف يسمى حافة العالم حيث تتساقط مياه البحر كلها مثل الشلال…” تمتم باهيل لنفسه.
“لا، هذا غير ممكن. هذا غير حقيقي. قال لو إن تحت جرف العالم تعيش الوحوش التي ترفع الأرض، وتعيش تحت المياه المتساقطة فقط…”
أصبح باهيل مرتبكًا. ضحك أحد الشماليين الواقفين خلف سفين.
“القارة الشرقية؟ أعتقد أيضًا أنها فكرة زائفة. يصعب عليّ قول هذا بنفسي، لكننا نحن الشماليين نتفاخر. نبالغ في إنجازاتنا. من الممكن أن أجدادنا عثروا على جزيرة مهجورة وأطلقوا عليها اسم القارة الشرقية.”
عبس سفين عند سماع كلمات الشمالي.
“هل تقول هذا حتى بعد رؤية تلك القطعة الأثرية الشرقية بأم عينيك؟”
” هل لديك دليل على أن هذا من الشرق فعلاً؟ أنت تعتقد ذلك فقط لأن هذا ما قيل لك.”
حتى بين الشماليين، وجود القارة الشرقية محل جدل حاد. قال البعض إنها مجرد أسطورة مبالغ فيها.
“نوايا الإمبراطور.”
اتسعت عينا باهيل.
“لا يمكن أن يكون.”
أدرك أخيرًا نوايا الإمبراطور يانتشينوس. ارتجفت يدا باهيل.
“لقد جعلتني أدرك أخيرًا ماهية الهدية التي يريدها الإمبراطور. شكرًا لك يا سفين.”
اتسعت عينا سفين أيضًا، وشد قبضتيه.
“بالتأكيد! نعم، نعم، نعم، هذا كل شيء!”
صرخ سفين بانفعال. أصبحت عيناه تلمعان كعيني طفل.
“لكن هذا مستحيل. إنها أشبه بمهمة انتحارية. سأدفع شعبي المخلص إلى حتفهم!”
صرخ باهيل في يأس، على النقيض من حماسة سفين وحيويته.
“أعتقد أن مهمتي هنا انتهت. لا أصدق أن هذه الإمبراطورية اللعينة قد تكون مفيدة أحيانًا، يا له من أمر رائع.”
ضحك سفين وهو يغلق الباب خلفه بقوة وهو يغادر القصر. بدت أصوات الشماليين الصاخبة تُسمع بوضوح عبر الباب المغلق.
“يؤمن الإمبراطور، مثل سفين، بوجود القارة الشرقية. ويريدني أن أستكشفها. إنه أمرٌ لا تستطيع القيام به إلا مملكة بوركانا الساحلية. إنه مشروع وطني لا أحد يعلم كم سيستغرق من الوقت لإتمامه. لا يمكن أن يستمر حكم عمي أكثر من عشر أو عشرين عامًا، بينما يمكنني البقاء عشرين أو ثلاثين عامًا على الأقل، إن لم يكن أكثر، طالما لم أمت. لهذا السبب اختارني.”
دعم الإمبراطور مفتاح نجاح أي مشروع وطني. فمع تغيير العرش، لم يكن من النادر أن تُلغى المشاريع بسبب ظروف سياسية مختلفة أو لمجرد نزوة من الإمبراطور. على سبيل المثال، بمجرد وفاة الإمبراطور السابق، ألغى الإمبراطور الحالي، يانتشينوس، سياسة إخضاع البرابرة المتبقين، وطبّق سياسة إدماجهم.
“ما هي المشكلة هنا؟ لماذا لا نفعل ذلك فقط؟” قال يوريتش من جانب باهيل.
” هذه كلمات الإمبراطور التي نتحدث عنها هنا – لا يمكننا التظاهر بأننا نفعل ذلك. سيتعين علينا في الواقع بناء سفينة والبدأ في الخطة. هل تعلم كم سيكلف ذلك؟ وماذا يحدث بعد أن نبني السفينة بالفعل؟ يجب أن أختار وأرسل أتباعي وطاقمي لقتل أنفسهم عمليًا. ماذا لو لم تكن هناك قارة شرقية؟ ماذا لو كانت نهاية العالم تنتظر فريستها التالية وفمها مفتوح على مصراعيه؟ بصراحة، أنا لا أؤمن حتى بالقارة الشرقية، لذلك أعلم أنهم جميعًا سينتهي بهم الأمر بالسقوط إلى حتفهم. سأكون قد ضحيت بشعبي لمجرد تحقيق طموح الإمبراطور الذي لا طائل منه! وفوق ذلك، سينتقدني الكهنة لمخالفتي إرادة حاكم الشمس لو ” قال باهيل وجسده يرتجف.
“لكنني ظننتُ أنك تريد أن تصبح ملكًا؟ هل ستتخلى عن ذلك لمجرد أنك خائف منه؟ تعلم ماذا، فقط عش بقية حياتك عاملًا في إسطبل في مكان ما في الإمبراطورية. يبدو أن هذا كل ما خُلقت له. اذهب ولمّع السرج الذي سيلمسه لك الإمبراطور. مجنون.”
سخر يوريتش، متكئًا على كرسيه. رفع باهيل رأسه فجأةً وحدق في يوريتش.
“أنت لا تعرف الخوف واليأس الذي أواجهه الآن. ليس لديك أدنى فكرة.”
ابتسم يوريتش وهو يضع ذقنه على يده.
“بل أعرف! باهيل، أنا من الغرب. لقد تجاوزتُ الخط الفاصل بين الحياة والموت.”
* * *
أشرق يوم نهائيات المبارزة. امتلأت المدرجات بالجماهير لمشاهدة المتأهلين إلى نهائيات هذه المسابقة المرموقة.
الفارس الذي ترعاه عائلة بوركانا الملكية: يوريتش محطم الدروع.
“واو! يوريتش! يوريتش!”
هتف الرجال في الحشد باسمه. حتى الآن، بدا يوريتش على قدر التوقعات التي وضعها لقبه “محطم الدروع”. رفع رمحًا بيد واحدة، وطعن فارسًا في درعه ليسقطه أرضًا.
“جياااااه!”
صرخت النساء في الحشد، الذي كان عددهن كبيرًا، تجاه الفارس المنافس. عبس أزواجهن في وجه زوجاتهم المغمى عليهن.
“دانتي! دانتي!”
” من فضلك انظر إلي يا دانتي!”
صرخت النساء. دانتي اسم خصم يوريتش الأخير.
دخل دانتي الفارس ساحةَ العرض، وخوذته ليست على رأسه، بل مطوية إلى جانبه. نظر إلى السيدات وابتسم. لفت وجهه، تحت شعره الأملس للخلف، انتباهَ الجمهور. كان رجلاً ذا ملامح ناعمة وجريئة.
“دانتي فارس الزهور.”
بدا دانتي فارسًا من مملكة فيلادو الغربية، يُلقب بـ”فارس الزهور”. لم يكن يتنافس على الثراء أو الانضمام إلى الفولاذ الإمبراطوري، بل يتنافس من أجل شرفه فقط.
“ليس لدينا أي فرسان متجولين في النهائيات هذا العام ” قال النبلاء فيما بينهم.
كان كلٌّ من يوريتش محطم الدروع ودانتي فارس الزهور فارسين ملتزمين بأمراء. مهما اشتدّت رغبة النبيل في فارس، فإن من خدم سيده بعيد المنال بسبب مسألة الشرف. حتى لو رغب الفارس في تغيير سيده، فسيُوصَم إلى الأبد بأنه فارس فاسد يسعى وراء المال على حساب الولاء.
“حسنًا، هذه البطولة مستمرة منذ خمس سنوات. ليس من المستغرب أن جميع الفرسان المتجولين المهرة قد وجدوا موطنًا لهم. أما الذين لم يجدوا موطنًا، فربما لا يستحقون الاهتمام.”
في كل عام، أصبحت جودة الفرسان المتجولين تتراجع، و الفرسان المشهورون يعتبرون الفوز بالبطولة بمثابة إحدى جوائزهم.
ما بدأ كمنافسة للعثور على جوهرة الفرسان المتجولين المخفية سرعان ما أصبح منصة للفرسان لتعزيز شرفهم.
“أريد أن يفوز محطم الدروع، حتى لو كان بربريًا ” قال أحد النبلاء وهو يراقب سلوك زوجته مع الزوجات النبيلات الأخريات.
“أرجوك، انتصر يا سيد دانتي!” صاحت الزوجة. لقد ظفر بها فارس الزهور.
“وأنا كذلك. لسببٍ غامض، لا أحب فارس الزهور ذاك. حتى امرأتي أصرت على مشاهدة هذه المباراة.”
رفع النبلاء أكوابهم البرونزية وضحكوا.
“إيه؟ هل من المفترض أن يكون المحارب بوجه كهذا؟ وجهه جميل.”
دخل يوريتش الساحة وهو يرفع حاجبه. حدّق في وجه دانتي من خلال شقّ خوذته.
لوّح دانتي للحشد قبل أن يرتدي خوذته. ما إن ارتدى الخوذة، حتى امتلأت الساحة بآهات النساء الخائبات. بدا زي دانتي مبهرجًا على نحو غير عادي، بريش كريش الطاووس. حتى خوذته مزينة بريش احمر.
“هاه؟ ما مشكلة يد محطم الدروع؟ إنه لا يحمل درعًا.”
لاحظ الحشد يد يوريتش اليسرى العاجزة، الملفوفة بالضمادات. حتى مع الضمادة، من الواضح أن يده متورمة ومنتفخة. لم يرتدي على يده المتقيحة والمتورمة حتى قفازًا. استنتج الحشد أنه مصاب.
“يا إلهي، يوريتش. كان عليك فعل هذا بيدك هكذا.”
حرّك فيليون قدميه بقلق. أصبح قلقًا جدًّا على يوريتش.
بوو!
تقدم يوريتش ودانتي ببطء نحو بعضهما البعض على جواديهما. وبينما يتبادلان التحية، أومآ برأسيهما بخفة تعبيرًا عن احترامهما المتبادل.
“يبدو أنك جرحت يدك يا سيدي يوريتش ” قال دانتي بصوتٍ رقيقٍ كنظرته. بدا صوتًا جميلًا كفيلًا بأن يُذيب قلوب عددٍ لا يُحصى من النساء.
“أنا فقط بحاجة إلى يد واحدة لهزيمتك ” قال يوريتش مع ضحكة مكتومة ترددت داخل خوذته.
“هذا هو المكان الذي نقاتل فيه من أجل شرفنا.”
بعد ذلك، عاد دانتي إلى مكانه وقبل أن تبدأ المباراة، رفع دانتي يده اليسرى فجأةً عالياً.
بوو!
أسقط دانتي الدرع الذي في يده اليسرى.
“هنا نقاتل من أجل شرفنا. أريد أن تكون هذه المباراة عادلة، لذا سأجعلها معركة متكافئة!” هتف دانتي، مُشعلًا حماس الجمهور. حتى الرجال كانوا يهتفون باسمه.
أعلن دانتي أنه سيقاتل بنفس شروط يوريتش، ولكن بدون يده اليسرى ودرعه.
“هذا الوغد… لديه رغبة في الموت.”
ومن بين الهتافات، بدا يوريتش وحده هو الذي عبس بشراسة.

الفصل 67 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ استدعى يوريتش باتشمان لاستدعاء سفين. كان الدخول إلى القصر الإمبراطوري صارمًا، لكن الشروط أقل في قصر السنونو، لأنه كان مكانًا للغرباء في المقام الأول. دخل سفين القصر برفقة شماليين آخرين من فرقة المرتزقة. بدت وجوه الشماليين مليئة بالاشمئزاز بعد التفتيش قبل الدخول. “هل يظن الأمير أننا تابعوه؟ يُملي علينا ما نفعله وما إلى ذلك. هذا يُغضبني ” قال أحد الشماليين باللهجة الشمالية بإحباط واضح. مسح سفين لحيته وضحك. “كفى. قائدنا هو يوريتش، وهو من استدعانا وليس الأمير.” “حسنًا، وهذا يوريتش، من أين هو أصلًا؟ ليس من الشمال ولا من الجنوب.” لطالما كان الشماليون الآخرون متشوقين لمعرفة أصل يوريتش. كانوا برابرة قضوا وقتًا طويلًا مع يوريتش، لذا عرفوا أنه ليس من الشمال ولا من الجنوب. “أغلق فمك. إذا كنت تريد حقًا أن تعرف، أو لديك مشكلة في عدم معرفته لسبب ما، فاذهب واسأل يوريتش بنفسك. هكذا نفعل الأشياء.” قال سفين وهو يفرك كتفه المتصلبة. شعر بجسده يتآكل ببطء. لم يعد سفين محاربًا شابًا، ومع كل ما عاناه من صعوبات، أصبحت عظامه تؤلمه تحت المطر كرجل عجوز حقيقي. الشماليون الآخرون يحترمون سفين. بدا سلوكه ينضح بشخصية قوية. من الواضح أنه كان رجل ذو مكانة مرموقة بين الشماليين. زوو! دخل سفين والشماليون غرفة باهيل حيث كان باهيل ويوريتش بانتظارهم. على الطاولة أمامهم، وُضع تمثال من اليشم. “آه، أنت هنا. كنا ننتظرك يا سفين. ” قال باهيل لسفين وهو يُحييه. سفين رجل مهم في فرقة المرتزقة، إذ هو قائد مجموعة من خمسة شماليين ضمن الفرقة. “سفين، هل تعرف ما هذا؟” سأل باهيل سفين وشرح له الموقف برمته. بعد سماع السياق، ظهر في عينَي سفين شراسة، لكنه نجح في تهدئتهما أمام باهيل. مع ذلك، لا ينطبق الأمر نفسه على الشماليين الآخرين. ‘بالطبع، إنهم منزعجون. هذه قطعة من كنزهم سرقتها الإمبراطورية.’ تحدث باهيل بحذر كما لو هو من سرق كنز الشمال. بالنسبة للبرابرة الذين لم يعتنقوا بعدُ الفلسفة الشمس، الإمبراطورية لا تزال غازية. ” بصراحة، لم أرى هذا من قبل، يا أمير.” نظر سفين إلى التمثال. اكتسى وجه باهيل بالكآبة. إن لم يكن سفين يعرف ماهية التمثال، فلا أمل بعد الآن. “هل لا تصنعون تماثيل اليشم في الشمال؟” “لا نشكل المجوهرات. حرفيونا يشكلون الخشب فقط.” كان الشمال غنيًا بالأخشاب عالية الجودة. سكن معظم سكانه على طول سواحلهم نظرًا لبرودة مناخهم، وكانوا يصطادون الأسماك في أماكن بعيدة في قوارب مصنوعة من أخشابهم عالية الجودة. أما من حيث المعادن، فكان خشب الشمال يُضاهي الفولاذ. حتى نبلاء الإمبراطورية فضّلوا صنع أثاثهم من خشب الشمال. “قال الإمبراطور أن هذا تم إحضاره من الشمال، وأنه كنزكم.” قال باهيل وهو ينظر إلى تمثال اليشم المصنوع بحرفية ممتازة بشكل غير عادي. “قلتُ إني لم أرَه من قبل، لكنني لم أقل إني لا أعرفه ” قال سفين بابتسامةٍ تحت لحيته. نظر باهيل إلى كلماته. “لقد خدعتني التلاعب بالألفاظ كثيرًا هذه الأيام. أخبرني بكل ما تعرفه يا سفين.” “همم، لست متأكدًا مما يُسمى باللغة الهاملية. قطعة أثرية شرقية؟” قال سفين بعد تلعثم لبضع ثوانٍ. حتى باهيل لم يفهم ما يعنيه ذلك.” “تثمال شرقي؟” “اعتبروها كنزًا شرقيًا، كما في أساطير الشمال. وهذه القطعة الأثرية الشرقية هي الدليل الوحيد الذي يُثبت صحة أساطيرنا.” ” الشرق؟ مملكة بوركانا هي أقصى أرض شرقية!” بدا باهيل غير مصدق. هز سفين رأسه. “ليس وفقًا لأساطيرنا. اكتشف أحد أسلافنا القارة الشرقية واستكشفها ثم عاد، وهذه القطعة الأثرية الشرقية دليل على ذلك التبادل، مع أنها الآن طريق بحري غير صالح.” “هراء، هذه مجرد أسطورة، لا أكثر! في نهاية البحر نهاية العالم، لا أكثر!” أبدى باهيل معارضته الشديدة لكلمات سفين ورفضها. “نحن الشماليون ليس لدينا تاريخٌ مُدوَّنٌ مثلكم أيها المتحضرون. أساطيرنا هي تاريخنا، وبالتالي هي الحقيقة.” لم يؤمن جميع الشماليين بأسطورة القارة الشرقية، لكن سفين يؤمن بها. كان على متن سفينة من المفترض أن تنقله إلى الشرق، لكنها تحطمت وبيع عبدًا للمصارعين. “كل من يحاول الذهاب إلى هناك سيلقى حتفه في نهاية العالم. القارة الشرقية ليست سوى أسطورة من أساطير الشمال. إنها ليست حقيقية ” نفى باهيل كل الاحتمالات نفيًا قاطعًا. التقط يوريتش التمثال ودفعه أمام عيني باهيل. “باهيل، لا أعرف الكثير عن هذا المكان الذي تتحدث عنه، لكن انظر إليه بتمعّن. هل تعتقد أن الشماليين هم من صنعوا هذا؟ لا تفكر فيما رأيته في كتبك، فقط انظر إليه وفكّر بنفسك. هذا دليل.” غرقت عينا باهيل في الخوف سريعًا. لم يخطر بباله قط القارة الشرقية. “وراء البحر يوجد جرف يسمى حافة العالم حيث تتساقط مياه البحر كلها مثل الشلال…” تمتم باهيل لنفسه. “لا، هذا غير ممكن. هذا غير حقيقي. قال لو إن تحت جرف العالم تعيش الوحوش التي ترفع الأرض، وتعيش تحت المياه المتساقطة فقط…” أصبح باهيل مرتبكًا. ضحك أحد الشماليين الواقفين خلف سفين. “القارة الشرقية؟ أعتقد أيضًا أنها فكرة زائفة. يصعب عليّ قول هذا بنفسي، لكننا نحن الشماليين نتفاخر. نبالغ في إنجازاتنا. من الممكن أن أجدادنا عثروا على جزيرة مهجورة وأطلقوا عليها اسم القارة الشرقية.” عبس سفين عند سماع كلمات الشمالي. “هل تقول هذا حتى بعد رؤية تلك القطعة الأثرية الشرقية بأم عينيك؟” ” هل لديك دليل على أن هذا من الشرق فعلاً؟ أنت تعتقد ذلك فقط لأن هذا ما قيل لك.” حتى بين الشماليين، وجود القارة الشرقية محل جدل حاد. قال البعض إنها مجرد أسطورة مبالغ فيها. “نوايا الإمبراطور.” اتسعت عينا باهيل. “لا يمكن أن يكون.” أدرك أخيرًا نوايا الإمبراطور يانتشينوس. ارتجفت يدا باهيل. “لقد جعلتني أدرك أخيرًا ماهية الهدية التي يريدها الإمبراطور. شكرًا لك يا سفين.” اتسعت عينا سفين أيضًا، وشد قبضتيه. “بالتأكيد! نعم، نعم، نعم، هذا كل شيء!” صرخ سفين بانفعال. أصبحت عيناه تلمعان كعيني طفل. “لكن هذا مستحيل. إنها أشبه بمهمة انتحارية. سأدفع شعبي المخلص إلى حتفهم!” صرخ باهيل في يأس، على النقيض من حماسة سفين وحيويته. “أعتقد أن مهمتي هنا انتهت. لا أصدق أن هذه الإمبراطورية اللعينة قد تكون مفيدة أحيانًا، يا له من أمر رائع.” ضحك سفين وهو يغلق الباب خلفه بقوة وهو يغادر القصر. بدت أصوات الشماليين الصاخبة تُسمع بوضوح عبر الباب المغلق. “يؤمن الإمبراطور، مثل سفين، بوجود القارة الشرقية. ويريدني أن أستكشفها. إنه أمرٌ لا تستطيع القيام به إلا مملكة بوركانا الساحلية. إنه مشروع وطني لا أحد يعلم كم سيستغرق من الوقت لإتمامه. لا يمكن أن يستمر حكم عمي أكثر من عشر أو عشرين عامًا، بينما يمكنني البقاء عشرين أو ثلاثين عامًا على الأقل، إن لم يكن أكثر، طالما لم أمت. لهذا السبب اختارني.” دعم الإمبراطور مفتاح نجاح أي مشروع وطني. فمع تغيير العرش، لم يكن من النادر أن تُلغى المشاريع بسبب ظروف سياسية مختلفة أو لمجرد نزوة من الإمبراطور. على سبيل المثال، بمجرد وفاة الإمبراطور السابق، ألغى الإمبراطور الحالي، يانتشينوس، سياسة إخضاع البرابرة المتبقين، وطبّق سياسة إدماجهم. “ما هي المشكلة هنا؟ لماذا لا نفعل ذلك فقط؟” قال يوريتش من جانب باهيل. ” هذه كلمات الإمبراطور التي نتحدث عنها هنا – لا يمكننا التظاهر بأننا نفعل ذلك. سيتعين علينا في الواقع بناء سفينة والبدأ في الخطة. هل تعلم كم سيكلف ذلك؟ وماذا يحدث بعد أن نبني السفينة بالفعل؟ يجب أن أختار وأرسل أتباعي وطاقمي لقتل أنفسهم عمليًا. ماذا لو لم تكن هناك قارة شرقية؟ ماذا لو كانت نهاية العالم تنتظر فريستها التالية وفمها مفتوح على مصراعيه؟ بصراحة، أنا لا أؤمن حتى بالقارة الشرقية، لذلك أعلم أنهم جميعًا سينتهي بهم الأمر بالسقوط إلى حتفهم. سأكون قد ضحيت بشعبي لمجرد تحقيق طموح الإمبراطور الذي لا طائل منه! وفوق ذلك، سينتقدني الكهنة لمخالفتي إرادة حاكم الشمس لو ” قال باهيل وجسده يرتجف. “لكنني ظننتُ أنك تريد أن تصبح ملكًا؟ هل ستتخلى عن ذلك لمجرد أنك خائف منه؟ تعلم ماذا، فقط عش بقية حياتك عاملًا في إسطبل في مكان ما في الإمبراطورية. يبدو أن هذا كل ما خُلقت له. اذهب ولمّع السرج الذي سيلمسه لك الإمبراطور. مجنون.” سخر يوريتش، متكئًا على كرسيه. رفع باهيل رأسه فجأةً وحدق في يوريتش. “أنت لا تعرف الخوف واليأس الذي أواجهه الآن. ليس لديك أدنى فكرة.” ابتسم يوريتش وهو يضع ذقنه على يده. “بل أعرف! باهيل، أنا من الغرب. لقد تجاوزتُ الخط الفاصل بين الحياة والموت.” * * * أشرق يوم نهائيات المبارزة. امتلأت المدرجات بالجماهير لمشاهدة المتأهلين إلى نهائيات هذه المسابقة المرموقة. الفارس الذي ترعاه عائلة بوركانا الملكية: يوريتش محطم الدروع. “واو! يوريتش! يوريتش!” هتف الرجال في الحشد باسمه. حتى الآن، بدا يوريتش على قدر التوقعات التي وضعها لقبه “محطم الدروع”. رفع رمحًا بيد واحدة، وطعن فارسًا في درعه ليسقطه أرضًا. “جياااااه!” صرخت النساء في الحشد، الذي كان عددهن كبيرًا، تجاه الفارس المنافس. عبس أزواجهن في وجه زوجاتهم المغمى عليهن. “دانتي! دانتي!” ” من فضلك انظر إلي يا دانتي!” صرخت النساء. دانتي اسم خصم يوريتش الأخير. دخل دانتي الفارس ساحةَ العرض، وخوذته ليست على رأسه، بل مطوية إلى جانبه. نظر إلى السيدات وابتسم. لفت وجهه، تحت شعره الأملس للخلف، انتباهَ الجمهور. كان رجلاً ذا ملامح ناعمة وجريئة. “دانتي فارس الزهور.” بدا دانتي فارسًا من مملكة فيلادو الغربية، يُلقب بـ”فارس الزهور”. لم يكن يتنافس على الثراء أو الانضمام إلى الفولاذ الإمبراطوري، بل يتنافس من أجل شرفه فقط. “ليس لدينا أي فرسان متجولين في النهائيات هذا العام ” قال النبلاء فيما بينهم. كان كلٌّ من يوريتش محطم الدروع ودانتي فارس الزهور فارسين ملتزمين بأمراء. مهما اشتدّت رغبة النبيل في فارس، فإن من خدم سيده بعيد المنال بسبب مسألة الشرف. حتى لو رغب الفارس في تغيير سيده، فسيُوصَم إلى الأبد بأنه فارس فاسد يسعى وراء المال على حساب الولاء. “حسنًا، هذه البطولة مستمرة منذ خمس سنوات. ليس من المستغرب أن جميع الفرسان المتجولين المهرة قد وجدوا موطنًا لهم. أما الذين لم يجدوا موطنًا، فربما لا يستحقون الاهتمام.” في كل عام، أصبحت جودة الفرسان المتجولين تتراجع، و الفرسان المشهورون يعتبرون الفوز بالبطولة بمثابة إحدى جوائزهم. ما بدأ كمنافسة للعثور على جوهرة الفرسان المتجولين المخفية سرعان ما أصبح منصة للفرسان لتعزيز شرفهم. “أريد أن يفوز محطم الدروع، حتى لو كان بربريًا ” قال أحد النبلاء وهو يراقب سلوك زوجته مع الزوجات النبيلات الأخريات. “أرجوك، انتصر يا سيد دانتي!” صاحت الزوجة. لقد ظفر بها فارس الزهور. “وأنا كذلك. لسببٍ غامض، لا أحب فارس الزهور ذاك. حتى امرأتي أصرت على مشاهدة هذه المباراة.” رفع النبلاء أكوابهم البرونزية وضحكوا. “إيه؟ هل من المفترض أن يكون المحارب بوجه كهذا؟ وجهه جميل.” دخل يوريتش الساحة وهو يرفع حاجبه. حدّق في وجه دانتي من خلال شقّ خوذته. لوّح دانتي للحشد قبل أن يرتدي خوذته. ما إن ارتدى الخوذة، حتى امتلأت الساحة بآهات النساء الخائبات. بدا زي دانتي مبهرجًا على نحو غير عادي، بريش كريش الطاووس. حتى خوذته مزينة بريش احمر. “هاه؟ ما مشكلة يد محطم الدروع؟ إنه لا يحمل درعًا.” لاحظ الحشد يد يوريتش اليسرى العاجزة، الملفوفة بالضمادات. حتى مع الضمادة، من الواضح أن يده متورمة ومنتفخة. لم يرتدي على يده المتقيحة والمتورمة حتى قفازًا. استنتج الحشد أنه مصاب. “يا إلهي، يوريتش. كان عليك فعل هذا بيدك هكذا.” حرّك فيليون قدميه بقلق. أصبح قلقًا جدًّا على يوريتش. بوو! تقدم يوريتش ودانتي ببطء نحو بعضهما البعض على جواديهما. وبينما يتبادلان التحية، أومآ برأسيهما بخفة تعبيرًا عن احترامهما المتبادل. “يبدو أنك جرحت يدك يا سيدي يوريتش ” قال دانتي بصوتٍ رقيقٍ كنظرته. بدا صوتًا جميلًا كفيلًا بأن يُذيب قلوب عددٍ لا يُحصى من النساء. “أنا فقط بحاجة إلى يد واحدة لهزيمتك ” قال يوريتش مع ضحكة مكتومة ترددت داخل خوذته. “هذا هو المكان الذي نقاتل فيه من أجل شرفنا.” بعد ذلك، عاد دانتي إلى مكانه وقبل أن تبدأ المباراة، رفع دانتي يده اليسرى فجأةً عالياً. بوو! أسقط دانتي الدرع الذي في يده اليسرى. “هنا نقاتل من أجل شرفنا. أريد أن تكون هذه المباراة عادلة، لذا سأجعلها معركة متكافئة!” هتف دانتي، مُشعلًا حماس الجمهور. حتى الرجال كانوا يهتفون باسمه. أعلن دانتي أنه سيقاتل بنفس شروط يوريتش، ولكن بدون يده اليسرى ودرعه. “هذا الوغد… لديه رغبة في الموت.” ومن بين الهتافات، بدا يوريتش وحده هو الذي عبس بشراسة.

الفصل 67 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ استدعى يوريتش باتشمان لاستدعاء سفين. كان الدخول إلى القصر الإمبراطوري صارمًا، لكن الشروط أقل في قصر السنونو، لأنه كان مكانًا للغرباء في المقام الأول. دخل سفين القصر برفقة شماليين آخرين من فرقة المرتزقة. بدت وجوه الشماليين مليئة بالاشمئزاز بعد التفتيش قبل الدخول. “هل يظن الأمير أننا تابعوه؟ يُملي علينا ما نفعله وما إلى ذلك. هذا يُغضبني ” قال أحد الشماليين باللهجة الشمالية بإحباط واضح. مسح سفين لحيته وضحك. “كفى. قائدنا هو يوريتش، وهو من استدعانا وليس الأمير.” “حسنًا، وهذا يوريتش، من أين هو أصلًا؟ ليس من الشمال ولا من الجنوب.” لطالما كان الشماليون الآخرون متشوقين لمعرفة أصل يوريتش. كانوا برابرة قضوا وقتًا طويلًا مع يوريتش، لذا عرفوا أنه ليس من الشمال ولا من الجنوب. “أغلق فمك. إذا كنت تريد حقًا أن تعرف، أو لديك مشكلة في عدم معرفته لسبب ما، فاذهب واسأل يوريتش بنفسك. هكذا نفعل الأشياء.” قال سفين وهو يفرك كتفه المتصلبة. شعر بجسده يتآكل ببطء. لم يعد سفين محاربًا شابًا، ومع كل ما عاناه من صعوبات، أصبحت عظامه تؤلمه تحت المطر كرجل عجوز حقيقي. الشماليون الآخرون يحترمون سفين. بدا سلوكه ينضح بشخصية قوية. من الواضح أنه كان رجل ذو مكانة مرموقة بين الشماليين. زوو! دخل سفين والشماليون غرفة باهيل حيث كان باهيل ويوريتش بانتظارهم. على الطاولة أمامهم، وُضع تمثال من اليشم. “آه، أنت هنا. كنا ننتظرك يا سفين. ” قال باهيل لسفين وهو يُحييه. سفين رجل مهم في فرقة المرتزقة، إذ هو قائد مجموعة من خمسة شماليين ضمن الفرقة. “سفين، هل تعرف ما هذا؟” سأل باهيل سفين وشرح له الموقف برمته. بعد سماع السياق، ظهر في عينَي سفين شراسة، لكنه نجح في تهدئتهما أمام باهيل. مع ذلك، لا ينطبق الأمر نفسه على الشماليين الآخرين. ‘بالطبع، إنهم منزعجون. هذه قطعة من كنزهم سرقتها الإمبراطورية.’ تحدث باهيل بحذر كما لو هو من سرق كنز الشمال. بالنسبة للبرابرة الذين لم يعتنقوا بعدُ الفلسفة الشمس، الإمبراطورية لا تزال غازية. ” بصراحة، لم أرى هذا من قبل، يا أمير.” نظر سفين إلى التمثال. اكتسى وجه باهيل بالكآبة. إن لم يكن سفين يعرف ماهية التمثال، فلا أمل بعد الآن. “هل لا تصنعون تماثيل اليشم في الشمال؟” “لا نشكل المجوهرات. حرفيونا يشكلون الخشب فقط.” كان الشمال غنيًا بالأخشاب عالية الجودة. سكن معظم سكانه على طول سواحلهم نظرًا لبرودة مناخهم، وكانوا يصطادون الأسماك في أماكن بعيدة في قوارب مصنوعة من أخشابهم عالية الجودة. أما من حيث المعادن، فكان خشب الشمال يُضاهي الفولاذ. حتى نبلاء الإمبراطورية فضّلوا صنع أثاثهم من خشب الشمال. “قال الإمبراطور أن هذا تم إحضاره من الشمال، وأنه كنزكم.” قال باهيل وهو ينظر إلى تمثال اليشم المصنوع بحرفية ممتازة بشكل غير عادي. “قلتُ إني لم أرَه من قبل، لكنني لم أقل إني لا أعرفه ” قال سفين بابتسامةٍ تحت لحيته. نظر باهيل إلى كلماته. “لقد خدعتني التلاعب بالألفاظ كثيرًا هذه الأيام. أخبرني بكل ما تعرفه يا سفين.” “همم، لست متأكدًا مما يُسمى باللغة الهاملية. قطعة أثرية شرقية؟” قال سفين بعد تلعثم لبضع ثوانٍ. حتى باهيل لم يفهم ما يعنيه ذلك.” “تثمال شرقي؟” “اعتبروها كنزًا شرقيًا، كما في أساطير الشمال. وهذه القطعة الأثرية الشرقية هي الدليل الوحيد الذي يُثبت صحة أساطيرنا.” ” الشرق؟ مملكة بوركانا هي أقصى أرض شرقية!” بدا باهيل غير مصدق. هز سفين رأسه. “ليس وفقًا لأساطيرنا. اكتشف أحد أسلافنا القارة الشرقية واستكشفها ثم عاد، وهذه القطعة الأثرية الشرقية دليل على ذلك التبادل، مع أنها الآن طريق بحري غير صالح.” “هراء، هذه مجرد أسطورة، لا أكثر! في نهاية البحر نهاية العالم، لا أكثر!” أبدى باهيل معارضته الشديدة لكلمات سفين ورفضها. “نحن الشماليون ليس لدينا تاريخٌ مُدوَّنٌ مثلكم أيها المتحضرون. أساطيرنا هي تاريخنا، وبالتالي هي الحقيقة.” لم يؤمن جميع الشماليين بأسطورة القارة الشرقية، لكن سفين يؤمن بها. كان على متن سفينة من المفترض أن تنقله إلى الشرق، لكنها تحطمت وبيع عبدًا للمصارعين. “كل من يحاول الذهاب إلى هناك سيلقى حتفه في نهاية العالم. القارة الشرقية ليست سوى أسطورة من أساطير الشمال. إنها ليست حقيقية ” نفى باهيل كل الاحتمالات نفيًا قاطعًا. التقط يوريتش التمثال ودفعه أمام عيني باهيل. “باهيل، لا أعرف الكثير عن هذا المكان الذي تتحدث عنه، لكن انظر إليه بتمعّن. هل تعتقد أن الشماليين هم من صنعوا هذا؟ لا تفكر فيما رأيته في كتبك، فقط انظر إليه وفكّر بنفسك. هذا دليل.” غرقت عينا باهيل في الخوف سريعًا. لم يخطر بباله قط القارة الشرقية. “وراء البحر يوجد جرف يسمى حافة العالم حيث تتساقط مياه البحر كلها مثل الشلال…” تمتم باهيل لنفسه. “لا، هذا غير ممكن. هذا غير حقيقي. قال لو إن تحت جرف العالم تعيش الوحوش التي ترفع الأرض، وتعيش تحت المياه المتساقطة فقط…” أصبح باهيل مرتبكًا. ضحك أحد الشماليين الواقفين خلف سفين. “القارة الشرقية؟ أعتقد أيضًا أنها فكرة زائفة. يصعب عليّ قول هذا بنفسي، لكننا نحن الشماليين نتفاخر. نبالغ في إنجازاتنا. من الممكن أن أجدادنا عثروا على جزيرة مهجورة وأطلقوا عليها اسم القارة الشرقية.” عبس سفين عند سماع كلمات الشمالي. “هل تقول هذا حتى بعد رؤية تلك القطعة الأثرية الشرقية بأم عينيك؟” ” هل لديك دليل على أن هذا من الشرق فعلاً؟ أنت تعتقد ذلك فقط لأن هذا ما قيل لك.” حتى بين الشماليين، وجود القارة الشرقية محل جدل حاد. قال البعض إنها مجرد أسطورة مبالغ فيها. “نوايا الإمبراطور.” اتسعت عينا باهيل. “لا يمكن أن يكون.” أدرك أخيرًا نوايا الإمبراطور يانتشينوس. ارتجفت يدا باهيل. “لقد جعلتني أدرك أخيرًا ماهية الهدية التي يريدها الإمبراطور. شكرًا لك يا سفين.” اتسعت عينا سفين أيضًا، وشد قبضتيه. “بالتأكيد! نعم، نعم، نعم، هذا كل شيء!” صرخ سفين بانفعال. أصبحت عيناه تلمعان كعيني طفل. “لكن هذا مستحيل. إنها أشبه بمهمة انتحارية. سأدفع شعبي المخلص إلى حتفهم!” صرخ باهيل في يأس، على النقيض من حماسة سفين وحيويته. “أعتقد أن مهمتي هنا انتهت. لا أصدق أن هذه الإمبراطورية اللعينة قد تكون مفيدة أحيانًا، يا له من أمر رائع.” ضحك سفين وهو يغلق الباب خلفه بقوة وهو يغادر القصر. بدت أصوات الشماليين الصاخبة تُسمع بوضوح عبر الباب المغلق. “يؤمن الإمبراطور، مثل سفين، بوجود القارة الشرقية. ويريدني أن أستكشفها. إنه أمرٌ لا تستطيع القيام به إلا مملكة بوركانا الساحلية. إنه مشروع وطني لا أحد يعلم كم سيستغرق من الوقت لإتمامه. لا يمكن أن يستمر حكم عمي أكثر من عشر أو عشرين عامًا، بينما يمكنني البقاء عشرين أو ثلاثين عامًا على الأقل، إن لم يكن أكثر، طالما لم أمت. لهذا السبب اختارني.” دعم الإمبراطور مفتاح نجاح أي مشروع وطني. فمع تغيير العرش، لم يكن من النادر أن تُلغى المشاريع بسبب ظروف سياسية مختلفة أو لمجرد نزوة من الإمبراطور. على سبيل المثال، بمجرد وفاة الإمبراطور السابق، ألغى الإمبراطور الحالي، يانتشينوس، سياسة إخضاع البرابرة المتبقين، وطبّق سياسة إدماجهم. “ما هي المشكلة هنا؟ لماذا لا نفعل ذلك فقط؟” قال يوريتش من جانب باهيل. ” هذه كلمات الإمبراطور التي نتحدث عنها هنا – لا يمكننا التظاهر بأننا نفعل ذلك. سيتعين علينا في الواقع بناء سفينة والبدأ في الخطة. هل تعلم كم سيكلف ذلك؟ وماذا يحدث بعد أن نبني السفينة بالفعل؟ يجب أن أختار وأرسل أتباعي وطاقمي لقتل أنفسهم عمليًا. ماذا لو لم تكن هناك قارة شرقية؟ ماذا لو كانت نهاية العالم تنتظر فريستها التالية وفمها مفتوح على مصراعيه؟ بصراحة، أنا لا أؤمن حتى بالقارة الشرقية، لذلك أعلم أنهم جميعًا سينتهي بهم الأمر بالسقوط إلى حتفهم. سأكون قد ضحيت بشعبي لمجرد تحقيق طموح الإمبراطور الذي لا طائل منه! وفوق ذلك، سينتقدني الكهنة لمخالفتي إرادة حاكم الشمس لو ” قال باهيل وجسده يرتجف. “لكنني ظننتُ أنك تريد أن تصبح ملكًا؟ هل ستتخلى عن ذلك لمجرد أنك خائف منه؟ تعلم ماذا، فقط عش بقية حياتك عاملًا في إسطبل في مكان ما في الإمبراطورية. يبدو أن هذا كل ما خُلقت له. اذهب ولمّع السرج الذي سيلمسه لك الإمبراطور. مجنون.” سخر يوريتش، متكئًا على كرسيه. رفع باهيل رأسه فجأةً وحدق في يوريتش. “أنت لا تعرف الخوف واليأس الذي أواجهه الآن. ليس لديك أدنى فكرة.” ابتسم يوريتش وهو يضع ذقنه على يده. “بل أعرف! باهيل، أنا من الغرب. لقد تجاوزتُ الخط الفاصل بين الحياة والموت.” * * * أشرق يوم نهائيات المبارزة. امتلأت المدرجات بالجماهير لمشاهدة المتأهلين إلى نهائيات هذه المسابقة المرموقة. الفارس الذي ترعاه عائلة بوركانا الملكية: يوريتش محطم الدروع. “واو! يوريتش! يوريتش!” هتف الرجال في الحشد باسمه. حتى الآن، بدا يوريتش على قدر التوقعات التي وضعها لقبه “محطم الدروع”. رفع رمحًا بيد واحدة، وطعن فارسًا في درعه ليسقطه أرضًا. “جياااااه!” صرخت النساء في الحشد، الذي كان عددهن كبيرًا، تجاه الفارس المنافس. عبس أزواجهن في وجه زوجاتهم المغمى عليهن. “دانتي! دانتي!” ” من فضلك انظر إلي يا دانتي!” صرخت النساء. دانتي اسم خصم يوريتش الأخير. دخل دانتي الفارس ساحةَ العرض، وخوذته ليست على رأسه، بل مطوية إلى جانبه. نظر إلى السيدات وابتسم. لفت وجهه، تحت شعره الأملس للخلف، انتباهَ الجمهور. كان رجلاً ذا ملامح ناعمة وجريئة. “دانتي فارس الزهور.” بدا دانتي فارسًا من مملكة فيلادو الغربية، يُلقب بـ”فارس الزهور”. لم يكن يتنافس على الثراء أو الانضمام إلى الفولاذ الإمبراطوري، بل يتنافس من أجل شرفه فقط. “ليس لدينا أي فرسان متجولين في النهائيات هذا العام ” قال النبلاء فيما بينهم. كان كلٌّ من يوريتش محطم الدروع ودانتي فارس الزهور فارسين ملتزمين بأمراء. مهما اشتدّت رغبة النبيل في فارس، فإن من خدم سيده بعيد المنال بسبب مسألة الشرف. حتى لو رغب الفارس في تغيير سيده، فسيُوصَم إلى الأبد بأنه فارس فاسد يسعى وراء المال على حساب الولاء. “حسنًا، هذه البطولة مستمرة منذ خمس سنوات. ليس من المستغرب أن جميع الفرسان المتجولين المهرة قد وجدوا موطنًا لهم. أما الذين لم يجدوا موطنًا، فربما لا يستحقون الاهتمام.” في كل عام، أصبحت جودة الفرسان المتجولين تتراجع، و الفرسان المشهورون يعتبرون الفوز بالبطولة بمثابة إحدى جوائزهم. ما بدأ كمنافسة للعثور على جوهرة الفرسان المتجولين المخفية سرعان ما أصبح منصة للفرسان لتعزيز شرفهم. “أريد أن يفوز محطم الدروع، حتى لو كان بربريًا ” قال أحد النبلاء وهو يراقب سلوك زوجته مع الزوجات النبيلات الأخريات. “أرجوك، انتصر يا سيد دانتي!” صاحت الزوجة. لقد ظفر بها فارس الزهور. “وأنا كذلك. لسببٍ غامض، لا أحب فارس الزهور ذاك. حتى امرأتي أصرت على مشاهدة هذه المباراة.” رفع النبلاء أكوابهم البرونزية وضحكوا. “إيه؟ هل من المفترض أن يكون المحارب بوجه كهذا؟ وجهه جميل.” دخل يوريتش الساحة وهو يرفع حاجبه. حدّق في وجه دانتي من خلال شقّ خوذته. لوّح دانتي للحشد قبل أن يرتدي خوذته. ما إن ارتدى الخوذة، حتى امتلأت الساحة بآهات النساء الخائبات. بدا زي دانتي مبهرجًا على نحو غير عادي، بريش كريش الطاووس. حتى خوذته مزينة بريش احمر. “هاه؟ ما مشكلة يد محطم الدروع؟ إنه لا يحمل درعًا.” لاحظ الحشد يد يوريتش اليسرى العاجزة، الملفوفة بالضمادات. حتى مع الضمادة، من الواضح أن يده متورمة ومنتفخة. لم يرتدي على يده المتقيحة والمتورمة حتى قفازًا. استنتج الحشد أنه مصاب. “يا إلهي، يوريتش. كان عليك فعل هذا بيدك هكذا.” حرّك فيليون قدميه بقلق. أصبح قلقًا جدًّا على يوريتش. بوو! تقدم يوريتش ودانتي ببطء نحو بعضهما البعض على جواديهما. وبينما يتبادلان التحية، أومآ برأسيهما بخفة تعبيرًا عن احترامهما المتبادل. “يبدو أنك جرحت يدك يا سيدي يوريتش ” قال دانتي بصوتٍ رقيقٍ كنظرته. بدا صوتًا جميلًا كفيلًا بأن يُذيب قلوب عددٍ لا يُحصى من النساء. “أنا فقط بحاجة إلى يد واحدة لهزيمتك ” قال يوريتش مع ضحكة مكتومة ترددت داخل خوذته. “هذا هو المكان الذي نقاتل فيه من أجل شرفنا.” بعد ذلك، عاد دانتي إلى مكانه وقبل أن تبدأ المباراة، رفع دانتي يده اليسرى فجأةً عالياً. بوو! أسقط دانتي الدرع الذي في يده اليسرى. “هنا نقاتل من أجل شرفنا. أريد أن تكون هذه المباراة عادلة، لذا سأجعلها معركة متكافئة!” هتف دانتي، مُشعلًا حماس الجمهور. حتى الرجال كانوا يهتفون باسمه. أعلن دانتي أنه سيقاتل بنفس شروط يوريتش، ولكن بدون يده اليسرى ودرعه. “هذا الوغد… لديه رغبة في الموت.” ومن بين الهتافات، بدا يوريتش وحده هو الذي عبس بشراسة.

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

اترك تعليقاً

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

تم كشف مانع اعلانات

للتخلص من جميع الاعلانات، نقدم لك موقعنا المدفوع kolnovel.com

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط