الفصل 91
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: ســاد
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
بدت شبكة الحصار حول قلعة هارماتي واسعة النطاق. ومن خلال عمليات تفتيش دقيقة، منعوا إدخال الإمدادات الخارجية إلى القلعة.
قلعة هارماتي ليست مهيأة لشتاء قاسٍ في ظل نقص الإمدادات. علاوة على ذلك، ولأن قوات باهيل شنت عدة محاولات هجوم، لم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي. بدا ذلك تكتيكًا تقليديًا للحصار يهدف إلى تجفيف العدو تدريجيًا. ورغم أن شيطان السيف فيرزين لم يعد موجودًا في المعسكر، إلا أن القادة الإمبراطوريين، الذين كانوا بمثابة تلاميذه، قادوا الجيش ببراعة.
“الجو باردٌ جدًا. يا لحسن حظي أن أواجه عاصفةً في مناوبتي ” علّق جنديٌّ يراقب الساحل.
ارتدى الجنود عباءاتٍ عازلة للماء بفضل معالجتها بالزيت. إلا أن العاصفة لم تُكبح تمامًا، إذ تسرب المطر عبر العباءات، مُبرِّدًا أجسادهم المبللة بسرعة.
“هووو.”
أطلق الجنود أنفاسًا باردة وهم ينظرون إلى الأفق.
“أتمنى أن تنتهي هذه الحرب الأهلية قريبًا. بدأت أفتقد وطني.”
“إذا ظلت الأمور على هذا النحو، فقد نضطر إلى قضاء الشتاء هنا أيضًا.”
” ذلك اللعين هارماتي. لماذا لا يستسلم الآن؟”
لعن الجنود اسم عدوهم المشترك.
ترعد!
صدر صوت رعدٍ قويّ، واشتدّ المطر.
“اللعنة.”
زادت العاصفة من ضعف رؤيتهم. احتمى الجنود تحت شجرة كبيرة، متخذين ملجأً مؤقتًا. حموا أنفسهم من العاصفة وأشعلوا نارًا للتدفئة.
” ما هذا؟”
سأل جندي يدفئ نفسه بالنار، وهو يحدق في البحر الهائج.
“عن ماذا تتحدث؟ لا أرى شيئًا.”
“لا، انظر جيدًا. هناك شيء يتحرك في الماء.”
“في هذا الطقس؟ لا بد أنك تعاني من الهلوسة.”
وقف الجندي ساخرًا، يحدق في البحر. وسط الأمواج المتلاطمة، طاف شيءٌ بلا هدف.
“ما هذا؟ هيا، انهض وانظر!”
استفاق الجنود. أمسكوا بأسلحتهم وسارعوا بالوقوف. ساروا نحو الشاطئ، متحدّين العاصفة.
بوو!
بعض الأخشاب الطافية والعديد من الألواح المكسورة جرفتها الأمواج إلى الشاطئ.
“حطام سفينة؟ هل تحطمت سفينة في مكان ما؟”
تفرق بعض الجنود لتفقد المنطقة. استمرت الأمواج في التلاطم بعنف. سار الجنود بحذر على طول الشاطئ، خشية أن تجرفهم الأمواج.
“هاه؟ هاه؟”
رفع الجنود رماحهم بعد أن لاحظوا شيئًا يتحرك في الماء.
“كاااااه!”
خرج رجل من بين الأمواج المتلاطمة بصرخة مدوية. صوّب الجنود أسلحتهم نحوه، في حالة تأهب قصوى.
” هاف، هاف.”
بدا الرجل يلهث لالتقاط أنفاسه، وهو ينظر إلى الجنود. يحمل شخصًا واحدًا على كل ذراع.
“هل سبح عبر هذه الأمواج وهو يحمل شخصين؟”
بدا الجنود يحدقون في الرجل الطويل القامة، الذي شعره المبلل يغطي وجهه.
“انزلوا أسلحتكم أيها الحمقى.”
تكلم الرجل. أحاط به الجنود، وهم لا يزالون ممسكين برماحهم بإحكام.
“حدد هويتك.”
“أنا يوريتش، زعيم المرتزقة، أيها الأغبياء.”
تحدث يوريتش، الرجل الذي خرج من البحر، بانفعال. اصطدم القارب الذي صعدوا عليه بصخور الساحل. بالكاد تمكن يوريتش من انتشال الخادم فاقد الوعي والأميرة داميا من الأمواج. مع أن الماء يصل إلى خصره فقط، إلا أن الأمواج الأعلى منه، والتي كانت تتلاطم على ظهره، جعلت كل خطوة شاقة.
قام يوريتش بتقويم ظهره بقوة. شعر وكأن عموده الفقري انطوى إلى نصفين. أصبح جسده يؤلمه في كل مكان.
“يوريتش؟ أوه!”
تعرف الجندي على يوريتش. بدا مألوفًا بجسده المهيب. عندما مشط يوريتش شعره المبلل للخلف، تعرف عليه الجندي بالتأكيد. يوريتش، قائد المرتزقة الذي رآه من بعيد.
“أشعر أنني على وشك الموت، لذا خذوني إلى مكانٍ مليئٍ بالنار. خصوصًا المرأة التي أحملها؛ إن ماتت، فقد تفقدون رؤوسكم، هذا فقط ما أريد إخباركم به.”
تحدث يوريتش بينما يحمل داميا بالقرب منه، ويشاركهما القليل من حرارة الجسم المتبقية لديهما.
“من هما هذان الاثنان؟”
قاد جندي يوريتش إلى الملجأ.
“لا تهتم به، فهو لا يهم، لذا لا داعي للقلق لو مات. أما الأخرى فهي الأميرة داميا.”
ألقى يوريتش الخادم فاقد الوعي بالقرب من النار.
“ا-الأميرة داميا؟”
فزع الجندي. نظر إلى المرأة. شقراء جميلة ذات بشرة بيضاء. حتى الجنود ذوو الرتب الدنيا مثلهم سمعوا شائعات عن جمال الأميرة داميا.
“إذا هي حقا الأميرة داميا…”
لو ماتت هنا، ستكون مشكلة كبيرة. قد يُعاقب الأمير والنبلاء الغاضبون الجنود ظلماً.
“أحضر المزيد من الحطب!”
صرخ الجندي المرشد. هرع الجنود في الملجأ، وجمعوا كل ما احتفظوا به من حطب جاف ليصمد طوال الليل.
“سأنزع ملابس الأميرة المبللة. ستبرد أكثر بهذه الملابس.”
انتزع يوريتش عباءة الجندي وتحدث.
بوو!
مزّق يوريتش ملابس الأميرة المبللة بيد واحدة. مسح الماء بعنف، ثم لفّ جسدها بالكامل بالعباءة.
“فو.”
بعد الإسعافات الأولية القاسية، جلس يوريتش أخيرًا أمام النار ليستريح. أصبح منهكًا للغاية. شعر وكأنه على وشك التعرض للإغماء في أي لحظة، إذ أثقل التعب المتراكم جسده المنهك.
“يا إلهي، إنه حيٌّ حقًا. ظنّ الجميع أنه ميت.”
أخيرًا، بدأ الجنود بالتحدث مع يوريتش. كانوا هم أيضًا على علم بمصير وحدة التسلل.
“إن العودة على قيد الحياة أمر لا يصدق في حد ذاته، لكنه تمكن من إعادة الأميرة داميا معه.”
قام يوريتش بتقويم ظهره بقوة. شعر وكأن عموده الفقري انطوى إلى نصفين. أصبح جسده يؤلمه في كل مكان. “يوريتش؟ أوه!” تعرف الجندي على يوريتش. بدا مألوفًا بجسده المهيب. عندما مشط يوريتش شعره المبلل للخلف، تعرف عليه الجندي بالتأكيد. يوريتش، قائد المرتزقة الذي رآه من بعيد. “أشعر أنني على وشك الموت، لذا خذوني إلى مكانٍ مليئٍ بالنار. خصوصًا المرأة التي أحملها؛ إن ماتت، فقد تفقدون رؤوسكم، هذا فقط ما أريد إخباركم به.” تحدث يوريتش بينما يحمل داميا بالقرب منه، ويشاركهما القليل من حرارة الجسم المتبقية لديهما. “من هما هذان الاثنان؟” قاد جندي يوريتش إلى الملجأ. “لا تهتم به، فهو لا يهم، لذا لا داعي للقلق لو مات. أما الأخرى فهي الأميرة داميا.” ألقى يوريتش الخادم فاقد الوعي بالقرب من النار. “ا-الأميرة داميا؟” فزع الجندي. نظر إلى المرأة. شقراء جميلة ذات بشرة بيضاء. حتى الجنود ذوو الرتب الدنيا مثلهم سمعوا شائعات عن جمال الأميرة داميا. “إذا هي حقا الأميرة داميا…” لو ماتت هنا، ستكون مشكلة كبيرة. قد يُعاقب الأمير والنبلاء الغاضبون الجنود ظلماً. “أحضر المزيد من الحطب!” صرخ الجندي المرشد. هرع الجنود في الملجأ، وجمعوا كل ما احتفظوا به من حطب جاف ليصمد طوال الليل. “سأنزع ملابس الأميرة المبللة. ستبرد أكثر بهذه الملابس.” انتزع يوريتش عباءة الجندي وتحدث. بوو! مزّق يوريتش ملابس الأميرة المبللة بيد واحدة. مسح الماء بعنف، ثم لفّ جسدها بالكامل بالعباءة. “فو.” بعد الإسعافات الأولية القاسية، جلس يوريتش أخيرًا أمام النار ليستريح. أصبح منهكًا للغاية. شعر وكأنه على وشك التعرض للإغماء في أي لحظة، إذ أثقل التعب المتراكم جسده المنهك. “يا إلهي، إنه حيٌّ حقًا. ظنّ الجميع أنه ميت.” أخيرًا، بدأ الجنود بالتحدث مع يوريتش. كانوا هم أيضًا على علم بمصير وحدة التسلل. “إن العودة على قيد الحياة أمر لا يصدق في حد ذاته، لكنه تمكن من إعادة الأميرة داميا معه.”
ألقى الجنود نظرة خاطفة على يوريتش. كان قائد المرتزقة يوريتش شخصيةً يُذكرها الجنود باستمرار. كان معروفًا بمآثره المتنوعة في المعارك، وكذلك بعلاقته الوثيقة بالأمير.
ليوريتش مكانةٌ مؤثرةٌ في معسكر الأمير، حتى أنها تفوق مكانة بعض النبلاء. لم يكن من السهل على الجنود العاديين مخاطبته. أصبح الجنود يُولونه اهتمامًا خاصًا ويؤازرونه.
“لا تموتي يا داميا. باهيل ينتظركِ بفارغ الصبر ” تمتم يوريتش، وهو ينظر إلى شفتي داميا الشاحبتين الزرقاوين.
“يهتم باهيل كثيرًا بأخته. أُفضّل ألا أراه يحزن.”
تحسن وجه يوريتش تدريجيًا. ناوله جندي كأسًا من النبيذ المغلي على النار. ارتشف رشفةً منه، فشعر بالدفء من الداخل.
“أوه، هل مازلت على قيد الحياة؟”
استيقظ الخادم الذي أُلقي جانبًا قرب النار. نظر حوله، وبدا الارتباك واضحًا على وجهه.
“آه، كنت قلقًا عليك! من الجيد حقًا رؤيتك حيا. يا له من ارتياح!”
ناول يوريتش الخمر للخادم. ضحك الجنود الذين كانوا يشاهدون المشهد.
“لقد قال حرفيًا أنه لن يهم إذا مات هذا الرجل، والآن أصبح لطيفًا جدًا معه.”
ارتجف الخادم وهو يشرب الخمر، ناظرًا بقلق إلى يوريتش والجنود الآخرين. هو مجرد خادم، ولسوء حظه وقع في هذا الموقف.
قال جندي وهو يقترب من الملجأ:
“تم إرسال بعض الأشخاص. سيأتي شخص ما قريبًا ليأخذك أنت والأميرة إلى المخيم.”
أومأ يوريتش. نظر إلى العاصفة، وشعر بالهدوء. كم عاصفة أخرى عليه أن يتغلب عليها ليصل إلى القارة الشرقية؟ بدا البحر أشد ضراوة مما ظن. لم يكن خصمًا سهلًا على الإطلاق.
* * *
“هل يوريتش على قيد الحياة؟”
عند سماعه الخبر، وضع باهيل كل شيء جانبًا ونهض. أمسك بمعطفه وخرج من الخيمة.
“المطر يهطل بغزارة يا أميري. لماذا لا تنتظر في الداخل؟”
ركض فيليون تحت المطر الغزير. هز باهيل رأسه ورفع معطفه.
“لا، لا أستطيع البقاء هكذا. هل هو بخير؟ هل هو سليم؟”
” ذراعيه وساقيه سليمة، وأيضًا…”
“طالما أنه بخير، فهذا كل ما يهم.”
قاطع باهيل فيليون مبتسمًا. أمسك فيليون ذراع باهيل بحذر.
“وفقًا للجنود، فقد أحضر معه الأميرة داميا، على الرغم من أنها ليست في حالة جيدة جدًا الآن…”
قبل أن يُنهي فيليون كلامه، قفز باهيل على حصانه وأمر جنديًا بإحضار جراح ميداني.
“أختي…”
ثبتت عينا باهيل على المطر الغزير. خفق قلبه لسماع خبر أخته. أراد أن يركب جواده ليذهب لرؤيتها فورًا.
“لقد أُرسِلَ الناسُ بالفعل. أرجوكَ، اهدأ يا أميري.”
صدّ فيليون الأمير، بينما بدا باهيل يُولي أخته اهتمامًا خاصًا.
“من فضلك، أوه، لو.”
صلى باهيل على ظهر حصانه، متمنياً بصدق أن تتعافى أخته وتبتسم مرة أخرى.
“لماذا الأميرة داميا هنا؟”
على حد علم فيليون، من المفترض أن تكون الأميرة داميا في القلعة الملكية. لم ترد أي أنباء عن وجودها في قلعة هارماتي.
“يبدو أن الدوق أخذها رهينة. لن يرضى النبلاء الآخرون بذلك.”
انتشر خبر احتجاز الأميرة داميا كرهينة في قلعة هارماتي بسرعة ووُجهت اللعنات إلى الدوق هارماتي.
“هذا الرجل القذر. يحتجز الأميرة كرهينة. إنها امرأة لا تملك حق خلافة العرش. تسك.”
“حتى لو كان يائسًا، أليست ابنة أخيه! رجل مثله أراد أن يصبح ملكًا، يا له من وقاحة!”
كان النبلاء ينتظرون عودة الأميرة داميا. مشهورة بجمالها، وهي كنز ثمين للمملكة.
“لقد سرق المرتزق البربري فرصة جيدة منا.”
كان النبلاء والفرسان المحاربون يعتقدون ذلك في أعماق أنفسهم. إنقاذ الأميرة قصة بطولية عظيمة. وإذا أُحسن إنجازها، يُمكن بناء علاقة وطيدة معها أيضًا. بدا حدثًا مهيأً لإضفاء لمسة رومانسية عليه من قِبل الشعراء.
“على الرغم من أن هذا البربري يحظى بتأييد الأمير، فمن غير اللائق أن يقوم مرتزق بربري بإنقاذ الأميرة.”
نظر النبلاء بحسدٍ إلى يوريتش والأميرة داميا. بالنسبة لهم، لم يكن يوريتش سوى بربريٍّ محظوظ. صحيحٌ أن مهاراته القتالية استثنائية، لكن بالنسبة لهم، هذا كل شيء. رأوه بربريًا برز بمحض الصدفة بعد لقائه بالأمير.
“لنرَ ما سيحدث في جوائز ما بعد الحرب. بالتأكيد، لن يمنح الأمير لقبًا نبيلًا لبربري.”
النبلاء يتنافسون بالفعل على الجدارة، ويحاولون كسب ود الأمير، والتحكم في بعضهم البعض.
“إنهم قادمون!”
نبهت نقطة مراقبة في برج المراقبة المخيم.
اندفع النبلاء مصطفين خلف الأمير. حتى باهيل، قائدهم، ينتظر تحت المطر يوريتش والأميرة، فلم يكن أمام الآخرين خيار سوى الانضمام.
“يا له من ترحيبٍ رائع! حتى النبلاء القساة يتبللون بالمطر من أجلنا؟”
علق يوريتش، وهو يرتدي عباءة محكمة. بدا شاحبًا بعض الشيء، لكنه بخير.
“يوريتش!”
ركض باهيل نحوه. ارتاح لرؤية يوريتش سالمًا، فالتفت سريعًا باحثًا عن أخته.
“لم تستيقظ بعد. أعتقد أنه من الأفضل أن نحضر لها طبيبًا.”
أشار يوريتش إلى داميا، التي كانت ملفوفة بالعباءة. مع أنها دافئة، إلا أن كرامتها أصبحت في حالة يرثى لها بسبب تعرض جسدها للكشف.
“هيااا!”
صرخ باهيل و حمل بعض الفرسان داميا إلى الخيمة ووضعوها على سرير باهيل.
“درجة حرارة جسمها منخفضة. تنفسها غير منتظم أيضًا، ربما بسبب الصدمة. لكن من المتوقع أن تتعافى دون أي مشاكل طالما حافظنا على دفئها وراحتها.” فحص الجراح الميداني داميا وأبلغ عن حالتها.
“تحقق من يوريتش أيضًا.”
أمر باهيل الجراح الميداني، لكن يوريتش دفع الجراح الذي يقترب بعيدًا.
“أنا بخير. فقط أعطني المزيد من الخمور.”
اتكأ يوريتش على كرسيه، وشرب المشروب. حدّق في الستارة التي تخفي السرير.
أنهى الجرّاح الفحص وغادر. هرعت الخادمات للعناية بداميا. نظّفن جسدها العاري بمنشفة دافئة مبللة.
“شكرا لك، يوريتش.”
قال باهيل وهو يجلس أمام يوريتش.لم يقل الكثير، لكن كان ذلك كافيًا للتعبير عن امتنانه.
“لا تذكر ذلك.”
رفع يوريتش كأسه مبتسمًا، وانهار على الكرسي فور أن أفرغه. انحنى رأسه، كاشفًا عن مدى إرهاقه. سقط الكأس من قبضة يوريتش وتدحرج على الأرض.
نهض باهيل بحذر، والتقط الكأس الدوارة ووضعه على الطاولة. خلع معطفه وغطّى به يوريتش.
“هذا هو الرجل الذي عرض لي يده عندما لم يفعل ذلك أحد آخر سوى فرساني.”
لم يصل يوريتش إلى هذا الحدّ لمجرد النزاهة أو المال. منذ مرحلةٍ ما من رحلتهما معًا، تصرّف لمصلحة باهيل فقط، تمامًا مثل فيليون.
أصبح باهيل ممتنًا لمن ساعدوه. آمنوا به، وهو منفي، وتبعوه حتى الآن.
“الآن جاء دوري لأعيد له ما يستحقه.”
الفصل 91 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ بدت شبكة الحصار حول قلعة هارماتي واسعة النطاق. ومن خلال عمليات تفتيش دقيقة، منعوا إدخال الإمدادات الخارجية إلى القلعة. قلعة هارماتي ليست مهيأة لشتاء قاسٍ في ظل نقص الإمدادات. علاوة على ذلك، ولأن قوات باهيل شنت عدة محاولات هجوم، لم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي. بدا ذلك تكتيكًا تقليديًا للحصار يهدف إلى تجفيف العدو تدريجيًا. ورغم أن شيطان السيف فيرزين لم يعد موجودًا في المعسكر، إلا أن القادة الإمبراطوريين، الذين كانوا بمثابة تلاميذه، قادوا الجيش ببراعة. “الجو باردٌ جدًا. يا لحسن حظي أن أواجه عاصفةً في مناوبتي ” علّق جنديٌّ يراقب الساحل. ارتدى الجنود عباءاتٍ عازلة للماء بفضل معالجتها بالزيت. إلا أن العاصفة لم تُكبح تمامًا، إذ تسرب المطر عبر العباءات، مُبرِّدًا أجسادهم المبللة بسرعة. “هووو.” أطلق الجنود أنفاسًا باردة وهم ينظرون إلى الأفق. “أتمنى أن تنتهي هذه الحرب الأهلية قريبًا. بدأت أفتقد وطني.” “إذا ظلت الأمور على هذا النحو، فقد نضطر إلى قضاء الشتاء هنا أيضًا.” ” ذلك اللعين هارماتي. لماذا لا يستسلم الآن؟” لعن الجنود اسم عدوهم المشترك. ترعد! صدر صوت رعدٍ قويّ، واشتدّ المطر. “اللعنة.” زادت العاصفة من ضعف رؤيتهم. احتمى الجنود تحت شجرة كبيرة، متخذين ملجأً مؤقتًا. حموا أنفسهم من العاصفة وأشعلوا نارًا للتدفئة. ” ما هذا؟” سأل جندي يدفئ نفسه بالنار، وهو يحدق في البحر الهائج. “عن ماذا تتحدث؟ لا أرى شيئًا.” “لا، انظر جيدًا. هناك شيء يتحرك في الماء.” “في هذا الطقس؟ لا بد أنك تعاني من الهلوسة.” وقف الجندي ساخرًا، يحدق في البحر. وسط الأمواج المتلاطمة، طاف شيءٌ بلا هدف. “ما هذا؟ هيا، انهض وانظر!” استفاق الجنود. أمسكوا بأسلحتهم وسارعوا بالوقوف. ساروا نحو الشاطئ، متحدّين العاصفة. بوو! بعض الأخشاب الطافية والعديد من الألواح المكسورة جرفتها الأمواج إلى الشاطئ. “حطام سفينة؟ هل تحطمت سفينة في مكان ما؟” تفرق بعض الجنود لتفقد المنطقة. استمرت الأمواج في التلاطم بعنف. سار الجنود بحذر على طول الشاطئ، خشية أن تجرفهم الأمواج. “هاه؟ هاه؟” رفع الجنود رماحهم بعد أن لاحظوا شيئًا يتحرك في الماء. “كاااااه!” خرج رجل من بين الأمواج المتلاطمة بصرخة مدوية. صوّب الجنود أسلحتهم نحوه، في حالة تأهب قصوى. ” هاف، هاف.” بدا الرجل يلهث لالتقاط أنفاسه، وهو ينظر إلى الجنود. يحمل شخصًا واحدًا على كل ذراع. “هل سبح عبر هذه الأمواج وهو يحمل شخصين؟” بدا الجنود يحدقون في الرجل الطويل القامة، الذي شعره المبلل يغطي وجهه. “انزلوا أسلحتكم أيها الحمقى.” تكلم الرجل. أحاط به الجنود، وهم لا يزالون ممسكين برماحهم بإحكام. “حدد هويتك.” “أنا يوريتش، زعيم المرتزقة، أيها الأغبياء.” تحدث يوريتش، الرجل الذي خرج من البحر، بانفعال. اصطدم القارب الذي صعدوا عليه بصخور الساحل. بالكاد تمكن يوريتش من انتشال الخادم فاقد الوعي والأميرة داميا من الأمواج. مع أن الماء يصل إلى خصره فقط، إلا أن الأمواج الأعلى منه، والتي كانت تتلاطم على ظهره، جعلت كل خطوة شاقة.
الفصل 91 ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ترجمة: ســاد ▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬ بدت شبكة الحصار حول قلعة هارماتي واسعة النطاق. ومن خلال عمليات تفتيش دقيقة، منعوا إدخال الإمدادات الخارجية إلى القلعة. قلعة هارماتي ليست مهيأة لشتاء قاسٍ في ظل نقص الإمدادات. علاوة على ذلك، ولأن قوات باهيل شنت عدة محاولات هجوم، لم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي. بدا ذلك تكتيكًا تقليديًا للحصار يهدف إلى تجفيف العدو تدريجيًا. ورغم أن شيطان السيف فيرزين لم يعد موجودًا في المعسكر، إلا أن القادة الإمبراطوريين، الذين كانوا بمثابة تلاميذه، قادوا الجيش ببراعة. “الجو باردٌ جدًا. يا لحسن حظي أن أواجه عاصفةً في مناوبتي ” علّق جنديٌّ يراقب الساحل. ارتدى الجنود عباءاتٍ عازلة للماء بفضل معالجتها بالزيت. إلا أن العاصفة لم تُكبح تمامًا، إذ تسرب المطر عبر العباءات، مُبرِّدًا أجسادهم المبللة بسرعة. “هووو.” أطلق الجنود أنفاسًا باردة وهم ينظرون إلى الأفق. “أتمنى أن تنتهي هذه الحرب الأهلية قريبًا. بدأت أفتقد وطني.” “إذا ظلت الأمور على هذا النحو، فقد نضطر إلى قضاء الشتاء هنا أيضًا.” ” ذلك اللعين هارماتي. لماذا لا يستسلم الآن؟” لعن الجنود اسم عدوهم المشترك. ترعد! صدر صوت رعدٍ قويّ، واشتدّ المطر. “اللعنة.” زادت العاصفة من ضعف رؤيتهم. احتمى الجنود تحت شجرة كبيرة، متخذين ملجأً مؤقتًا. حموا أنفسهم من العاصفة وأشعلوا نارًا للتدفئة. ” ما هذا؟” سأل جندي يدفئ نفسه بالنار، وهو يحدق في البحر الهائج. “عن ماذا تتحدث؟ لا أرى شيئًا.” “لا، انظر جيدًا. هناك شيء يتحرك في الماء.” “في هذا الطقس؟ لا بد أنك تعاني من الهلوسة.” وقف الجندي ساخرًا، يحدق في البحر. وسط الأمواج المتلاطمة، طاف شيءٌ بلا هدف. “ما هذا؟ هيا، انهض وانظر!” استفاق الجنود. أمسكوا بأسلحتهم وسارعوا بالوقوف. ساروا نحو الشاطئ، متحدّين العاصفة. بوو! بعض الأخشاب الطافية والعديد من الألواح المكسورة جرفتها الأمواج إلى الشاطئ. “حطام سفينة؟ هل تحطمت سفينة في مكان ما؟” تفرق بعض الجنود لتفقد المنطقة. استمرت الأمواج في التلاطم بعنف. سار الجنود بحذر على طول الشاطئ، خشية أن تجرفهم الأمواج. “هاه؟ هاه؟” رفع الجنود رماحهم بعد أن لاحظوا شيئًا يتحرك في الماء. “كاااااه!” خرج رجل من بين الأمواج المتلاطمة بصرخة مدوية. صوّب الجنود أسلحتهم نحوه، في حالة تأهب قصوى. ” هاف، هاف.” بدا الرجل يلهث لالتقاط أنفاسه، وهو ينظر إلى الجنود. يحمل شخصًا واحدًا على كل ذراع. “هل سبح عبر هذه الأمواج وهو يحمل شخصين؟” بدا الجنود يحدقون في الرجل الطويل القامة، الذي شعره المبلل يغطي وجهه. “انزلوا أسلحتكم أيها الحمقى.” تكلم الرجل. أحاط به الجنود، وهم لا يزالون ممسكين برماحهم بإحكام. “حدد هويتك.” “أنا يوريتش، زعيم المرتزقة، أيها الأغبياء.” تحدث يوريتش، الرجل الذي خرج من البحر، بانفعال. اصطدم القارب الذي صعدوا عليه بصخور الساحل. بالكاد تمكن يوريتش من انتشال الخادم فاقد الوعي والأميرة داميا من الأمواج. مع أن الماء يصل إلى خصره فقط، إلا أن الأمواج الأعلى منه، والتي كانت تتلاطم على ظهره، جعلت كل خطوة شاقة.
قام يوريتش بتقويم ظهره بقوة. شعر وكأن عموده الفقري انطوى إلى نصفين. أصبح جسده يؤلمه في كل مكان. “يوريتش؟ أوه!” تعرف الجندي على يوريتش. بدا مألوفًا بجسده المهيب. عندما مشط يوريتش شعره المبلل للخلف، تعرف عليه الجندي بالتأكيد. يوريتش، قائد المرتزقة الذي رآه من بعيد. “أشعر أنني على وشك الموت، لذا خذوني إلى مكانٍ مليئٍ بالنار. خصوصًا المرأة التي أحملها؛ إن ماتت، فقد تفقدون رؤوسكم، هذا فقط ما أريد إخباركم به.” تحدث يوريتش بينما يحمل داميا بالقرب منه، ويشاركهما القليل من حرارة الجسم المتبقية لديهما. “من هما هذان الاثنان؟” قاد جندي يوريتش إلى الملجأ. “لا تهتم به، فهو لا يهم، لذا لا داعي للقلق لو مات. أما الأخرى فهي الأميرة داميا.” ألقى يوريتش الخادم فاقد الوعي بالقرب من النار. “ا-الأميرة داميا؟” فزع الجندي. نظر إلى المرأة. شقراء جميلة ذات بشرة بيضاء. حتى الجنود ذوو الرتب الدنيا مثلهم سمعوا شائعات عن جمال الأميرة داميا. “إذا هي حقا الأميرة داميا…” لو ماتت هنا، ستكون مشكلة كبيرة. قد يُعاقب الأمير والنبلاء الغاضبون الجنود ظلماً. “أحضر المزيد من الحطب!” صرخ الجندي المرشد. هرع الجنود في الملجأ، وجمعوا كل ما احتفظوا به من حطب جاف ليصمد طوال الليل. “سأنزع ملابس الأميرة المبللة. ستبرد أكثر بهذه الملابس.” انتزع يوريتش عباءة الجندي وتحدث. بوو! مزّق يوريتش ملابس الأميرة المبللة بيد واحدة. مسح الماء بعنف، ثم لفّ جسدها بالكامل بالعباءة. “فو.” بعد الإسعافات الأولية القاسية، جلس يوريتش أخيرًا أمام النار ليستريح. أصبح منهكًا للغاية. شعر وكأنه على وشك التعرض للإغماء في أي لحظة، إذ أثقل التعب المتراكم جسده المنهك. “يا إلهي، إنه حيٌّ حقًا. ظنّ الجميع أنه ميت.” أخيرًا، بدأ الجنود بالتحدث مع يوريتش. كانوا هم أيضًا على علم بمصير وحدة التسلل. “إن العودة على قيد الحياة أمر لا يصدق في حد ذاته، لكنه تمكن من إعادة الأميرة داميا معه.”
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات